براءة الدماء…
ثمن الجنّة والبقاء
بيان حول جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) في دولة الكويت الشقيقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)…
هكذا عاش أتباع مذهب أهل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولازالوا يعيشون البلاء بكلّ أنواعه والصبر بكلّ درجاته تسليماً لقضاء الله وقدره ورضاً برضاه ولا معبود سواه، ومثل هؤلاء المظلومين يستحقّون البشارة بصلوات الله عليهم ورحمة (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)…
ولا نقول للمجرمين إلا ما قاله لفرعون أصحابُ النبيّ موسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام): (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) لمّا هدّدهم الطاغية: (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ) ولقد انتهى وجنودُه إلى النار خالدين فيها أبَدَ الآبدين وبقي الذين قال الله تعالى في استقامتهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وقد صدق مولانا الصادق من آل محمد (عليه السلام) إذ رسم لنا الطريق لنسلكه ببصيرة ولا نخش فيه إلا الله عزوجل: “قد كان قبلُكم قومٌ يُقتَلون ويُحرَقون ويُنشَرون بالمناشير، وتضيقُ عليهم الأرضُ برُحبِها، فما يردُّهم عمّا هُم عليه شيءٌ مما هُم فيه، مِن غير تِرةٍ وَتَروا مَنْ فَعَلَ ذلك بهم ولا أذىً، بل ما نَقَمُوا منهُم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا ربَّكُم درجاتهم، واصبِروا على نوائب دهرِكم تُدرَكوا سعيَهم”.
وعلى هذا كان الصالحون من أصحاب رسول الله.. أولئك: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
ولقد أنسى الشيطانُ أتباعَه في زماننا هذه الأرضية العقائدية الصّلبة التي يقف عليها شيعةُ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين!!
حقُّهم أن ينسوها لأنهم لم يؤمنوا بالله طرفة عينٍ أبداً، ولم يعرفوا الإسلام، ولم يهتدوا الطريق إلى الشّرف والعدل والأخلاق والإنسانية والجنّة، ولم يفهموا عشّاق الحسين وثقافتهم القائمة على مبادئه الممتدّة إلى آخر إنسانٍ في الأرض.. تلك الثقافة المبدئية التي لازالت سطورها تنبض فينا الحياة والإستقامة:
* الموتُ لنا عادة وكرامتُنا من الله الشهادة..
* هـوّن عليّ ما نَزَلَ بي، إنه بعَين الله..
* إن كان هذا يُرضيك فخُذ حتّى ترضى..
* ما رأيتُ إلا جميلاً..
* يا نفسُ مِن بعدِ الحسين هُوني، وبعدَه لا كنتِ أن تكوني، والله إن قطعتُمو يميني، إنّي أحامي أبداً عن ديني..
* الموت فيك أحلى مِن العسل..
فلا غرابة من شيعة الذي ضربوه بالسيف يوم (19) من شهر رمضان وهو في محراب صلاة الفجر فهتف بصوت الخالدين: “فُزتُ وربِّ الكعبة” أن يهتف موالوه اليوم بصوتٍ يدوّي عند كل مجزرة جبانة بهم:
* هيهات منّا الذلّة..
* لبّيك يا حسين..
فليخسأ التكفيريّون من أحفاد قتلة النبيّين وأولاد النبيّين أن يتركوا في المسلمين الشيعة الصابرين أدنى وهنٍ تراجُعيٍّ أو حزنٍ تخاذُليٍّ وهم من مدرسة القرآن العظيم الذي قال:
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
من هذه المنطلقات الإيمانية وهي من ثوابتنا الولائية الشامخة:
1/ إننا نعزّي الحجّة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه) ونوّابه المراجع الأجلاء بكل المصائب التي استهدفت الشيعة وكل المظلومين في العالم.. وآخرها تفجير المصلّين الصائمين في مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) بالكويت في يوم الجمعة أمس.
2/ نعزّي أهالي الشهداء على هذا المصاب الجلل، وقد دخلوا الجنة من أفضل أبوابها.. صبرٌ جميل وأجرٌ جزيل.
3/ ندعو الله تعالى لشفاء الجرحى الأعزاء في هذا الحادث الخسيس الفاقد لكل القيم البطولية وشرف الإنسانية.
4/ نرجو من جميع الشيعة ومراجعهم وعلمائهم ووجهائهم ومثقّفيهم أن يأخذوا قضية الدماء مأخَذ الجِدّ ولا يتهاونوا في أمنِ أنفسِهم وأماكن تجمّعاتهم وخاصةً مساجد الله وحسينيات الوفاء والعزّ والإباء.
5/ أن يتحرّكوا باتجاه الضمائر الحُرّة في المنطقة والعالم لدراسة السُّبل الحقيقية في مواجهة الإرهاب وفكره التحريضي العفن.
وفي الختام:
نشكر الشعب الكويتي الرياديّ في الخير والمحبّة والوطنية على تماسكه في هذا الحدث الأليم بالمزيد من التعاون على البرّ والتقوى، وندعو للكويت بلداً آمناً ودولةً تتوفّق لإزالة أسباب العنف التكفيري بلا مجاملة لرموزه المعروفين صوتاً وصورة!!
اللهمّ أدخِلنا في كلّ خيرٍ أدخلتَ فيه محمداً وآل محمد وأخرِجنا مِن كلّ سوءٍ أخرجتَ منه محمداً وآل محمد (صلواتك عليه وعليهم أجمعين) برحمتك يا أرحم الراحمين.
داعيكم
الفقير إلى الله الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
10/شهر رمضان/ 1436
2015/6/27