تلخيصا لكلمة سماحته التي ألقاها ليلة ميلاد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).. وذلك في حسينية اهل البيت (عليهم السلام) في محافظة المحرق – البحرين (15/ شهر شعبان/1435).
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه:
(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينٍ)
في هذه الآية المباركة نستشرف ثلاث كلمات تقوي فينا الرؤية المطلوبة الى مشروع الإمام المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) في انقاذ الأرض وأهلها من ويلات الظالمين والجاهلين.
1. الكلمة الأولى.. (بقيت الله).
ماذا تعني هذه الكلمة؟
انها تعني ما بقي بينكم من حجج الله.. كالانبياء والرسل حسب السياق التي جاءت بها سورة هود.. راجعوا الآية (86) قبلها وبعدها.
إننا نعلم بأن الله منذ خلق ادم جعله اول الانبياء ليكون الحبل الممدود بين الارض والسماء.. اذ لولا هذه الرعاية السماوية لكانت الارض واهلها اتعس مما كانت ولازالت عليه الان. فبعض الخير والهناء الذي كان ولازال انما هو من بركة تلك الرعاية التي تجسدت في ارسال الرسل والانبياء وتنصيب الأئمة والاوصياء..
ونعلم ان الله جعل النبي محمد (صلى الله عليه واله) خاتم أنبيائه.. ولكن السؤال.. ماذا بعد موت النبي.. هل قد انقطع الحبل من السماء؟!
بالطبع كلا.. إذن كيف واصلت السماء رعايتها لأهل الارض؟
الجواب عبر الأوصياء الاثني عشر من آل محمد.. حيث تواترت عنه الروايات في توصيفهم حتى ذكرهم بأسمائهم قبل ولادتهم -والروايات موجودة في كتب إخواننا السنة-.
ولكن نفس السؤال يتكرر عندما رحل الإمام الحادي عشر.. فهل تبقى الأرض وأهلها بلا حبل ممدود من السماء؟!
كلا.. لان انعدام الحبل يعني أن الله قطع رعايته وبالتالي يعود الاشكال الذي أجبنا عليه ويضاف: هل يصح لله أن يرعى الشعوب السابقة بارسال الرسل والأنبياء وتنصيب الاوصياء لهم ويترك الشعوب اللاحقة والتي نحن منها اليوم؟!
بالطبع كلا.. إذن لا مناص لنا إلا القول بأن لله باق من يمثله بيننا وهو شبيه رسوله ونبيه.. وهذا لا يكون إلا حفيده الإمام المهدي الذي غيبه الله ليبقى حيا ولا تصله أيدي القتلة من ناحية.. ومن ناحية أخرى دعانا الرسول (ص) إلى معرفته وحبه والارتباط به ايمانا بالغيب حتى قال: “من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية”.
وهكذا كانت غيبة الإمام الغائب الحاضر عقيدة نؤمن بها دون ذرة شك.
إلا أن اشكالا قد يطرحه البعض.. وهو ما فائدة امام ليس حاضرا بيننا ليقوم بدور القيادة العينية والميدانية؟
الجواب.. يكمن في سؤال مماثل: ما هو فائدة الشمس اذا كنا لا نراها خلف الغيوم والسحب ونحن نعلم انها ستظهر في الوقت المناسب لها؟!
إلى هنا عرفنا معنى (بقيت الله) في الاية الكريمة وهو الإمام المهدي (عليه السلام).
2. الكلمة الثانية.. ماذا يعني (خير لكم)؟
هذا الإمام فيه كل الخير مثل جده رسول الله الذي أتى بخير العدل والمحبة والسلم والأمان، وخير العلم والوعي والتقدم والإنسانية.
نعم وحفيده الموعود سيأتي للبشرية بحلاوة الخير كله بعد أن يذوقوا مرارة الشر على أيدي الظالمين وقطيع البهائم البشرية.
فكما قضى النبي على القسوة وامات الجاهلية الاولى وأتى بالرحمة العالمية.. بل كان (رحمة للعالمين) سيفعل الإمام المهدي مثله.. يقضي على القسوة والجاهلية ويأتي بالرحمة الشمولية ولكن مع فارق واحد أن السقيفة لن تعود!!
إلا أن هذا الخير القادم يطالبنا بتحمل مسؤولية الخير قبله. فلابد من السعي في طريق الخير إذن حتى نتهيء إلى ذلك الخير الأكبر.
3. الكلمة الثالثة.. (ان كنتم مؤمنين)
وهذا هو الشرط الأساس في بلوغ الخير الصادر عن (بقيت الله). ويعني باننا لا نبلغ خيرا ابدا ما لم نكن مؤمنين.
والإيمان هنا ما عدا الإيمان بالله والنبوة والامامة واليوم الاخر على التفاصيل الواردة في الثقلين (كتاب الله وأحاديث العترة).. هو الإيمان بالإمام المهدي وعمره الطويل.. وأنه سيملىء الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. وكذلك الإيمان بانتصاره المحتوم على قوى الشر من السفيانيين الدواعش وداعميهم في السر والعلن.. والايمان بان هذا كله واكثر ليس بعسير على الله الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
بهذا فان الإيمان هنا في الاية (ان كنتم مؤمنين) ناظر في الاكثر الى (بقيت الله) أي ان كنتم مؤمنين ببقيت الله (اي الامام المهدي آخر من بقي من الأوصياء وهو خلاصة الانبياء) فإنه خير لكم. وهو الخير الذي ذكرناه في بيان الكلمة الثانية. والإيمان هو العمل.. فلا نفع لايمان بلا عمل. بل وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): “الإيمان عمل كله”. أي لا فصل بينهما.
ونستنتج في الختام:
أيها المؤمنون.. أيتها المؤمنات.. إعلموا ان التشيع لأهل بيت النبي الأكرم هو المذهب الوحيد الذي لازال يحتفظ بارتباطه مع السماء عبر إيمانه بالإمام الحجة بن الحسن المهدي وهو ما نلقبه بصاحب الزمان.. يعني انه يصاحبنا في كل زمان ويرعانا من وراء الحجب الغيبية.. يمتحننا الله به في درجة إيماننا وولاءنا والتزامنا.. وكفى ذلك دليلا على أن مذهبنا مذهب حق وهو روح الإسلام الذي كان في زمن النبي وحضوره. وكفى ذلك حافزا أيضا على أن نسير في أفكارنا وافعالنا وفق ما كان عليه أصحاب النبي الصالحين منهم وأصحاب أهل بيته الحقيقيين. فلا يظنن أحد منا انه منقطع عن إمام زمانه وإن الإشراف غير موجود والرعاية معدومة وان العدو يلعب بنا وبدماءنا من دون رقيب وحسيب!!
هذا كله وساوس الشيطان التي يختبرنا الله بها وهو القائل: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
ففي هذه المناسبة السعيدة.. ذكرى مولد الإمام المهدي يجب علينا أخذ هذه البصائر القرآنية كدرس ننطلق به للعمل.. نكنس تحت ضوءه آثار الغفلة والجهل والضعف الروحي.
ونحن نرفع أيادينا بالدعاء لإخواننا في العراق وفي كل مكان ونقول:
“إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت السماء وانت المستعان وإليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء.. فصل على محمد وال محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم.. ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا قريبا كلمح البصر أو هو أقرب يا محمد ويا علي يا علي يا محمد اكفيانا فانكما كافيان وانصرانا فانكما ناصران.. يا مولانا يا صاحب الزمان.. الغوث الغوث الغوث.. أدركنا أدركنا أدركنا. . الساعة الساعة الساعة.. العجل العجل العجل”.