السيد محمد باقر الشيرازي..
المرجع والموقف
بيان سماحته بمناسبة رحيل المرجع الديني السيد محمد باقر الشيرازي (رحمه الله).. في 13 من شهر رجب 1435
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عزوجل في محكم كتابه:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أما بعد..
نعزي مولانا الإمام صاحب الزمان (أرواحنا فداه) والمسلمين وأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خاصة ومراجعنا الكرام والحوزات العلمية بوفاة سماحة المرجع الديني المجاهد آية الله العظمى السيد محمد باقر الشيرازي (أعلى الله درجاته).. ونعزي أسرته الكريمة وأنجاله وأحفاده وإخوته الأجلاء وأصهاره الأعزاء بهذا المصاب الجلل.
سائلين من الله العلي القدير أن يحشره مع أجداده الطاهرين سيدنا محمد وآله (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).
الفقيد السعيد.. هو النجل الأكبر للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد عبدالله الشيرازي (رحمه الله) الذي كان يقيم في مدينة مشهد المقدسة منذ هاجر إليها من النجف الأشرف احتجاجا على ظلم الحكومة البعثية ومضايقاتها لعلماء الحوزة وطلابها في سنة (1975)..
لقد انتقل فقيدنا السعيد إلى جوار ربه الكريم بالأمس (13/شهر رجب/1435) بعد عمر بريك ناهز قرابة (95) عاما.. وكان فقيها ولائيا مخلصا شجاعا في قول الحق ومتابعا لأخبار المسلمين وحريصا على الدفاع عن الشيعة المضطهدين في العالم.
تعرفت عليه في عام (1980م) في مدينة شيراز وأنا وصلت إليها من البحرين مبعدا منفيا.. وكنت آنذاك في العشرين من عمري إذ أحاطني هذا العالم الجليل باهتمامه الأبوي وخاصة لما علم معاناتي الصحية جراء التعذيب في السجن وكنت وحيدا غريبا.
هنا كانت المحطة الأولى للمعرفة بيني وبين سماحته، ثم كان التواصل متقطعا بسبب تنقلاتي إلى بلدان مختلفة حتى استقر بي المقام في مدينة مشهد المقدسة سنة (1992) فزادت لقاءاتي بسماحته وازددت معرفة بخصائصه الفكرية والروحية ولاسيما كان يدعوني بعض الصباح لأكل الفطور معه في حجرته أو في ساحة منزله الداخلية ثم تأخذنا أطراف الحديث في العقائد والفقه والتاريخ ونتبادل الرأي في قضايا المسلمين والواقع الشيعي. وقد نقلت عنه في كتابي (قصص وخواطر) حكايات من مواقفه وسيرته. وكان قد أوصى مدير مكتبه صهره سماحة العلامة الشيخ إبراهيم سيبويه (حفظه الله) بكل نوع من التعاون.. وأوصى نجله سماحة العلامة السيد مرتضى (حفظه الله) بطباعة ما أقدمه من مؤلفاتي، فطبعت مؤسسته (مؤسسة صاحب الزمان الثقافية) كتابين لي (حوار بين الحاج والشباب) والترجمة الفارسية لكتابي (مذكرات الشيخ بهلول) وكتابا ثالثا طلب مني سماحته أن أترجمه من الفارسية إلى العربية وكان بعنوان (علي والأنبياء).
وباختصار.. فقد عرفته (رضوان الله عليه):
* متواضعا..
حتى وجدته ترابيا على خطى جده أبي تراب علي أميرالمؤمنين (ع) حيث كان من شدة تواضعه يجلس على تراب الأرض.
ومن تواضعه زيارته لي في منزلي بمدينة مشهد المقدسة مرتين فترة إقامتي هناك في التسعينيات.
* صريحا..
فما كان يخفي نقده ونصيحته.. ولكنه لم يخرج عن أدب النقد.. وكان يراعي مستوى الاستيعاب لدى المستمع فلا يقول ما يضر ولا ينفع.
* صابرا..
إذ نال وسام الصمود في سجون البعثيين في العراق.. وقد كان يحدثني عن تجربته السياسية في العراق وايران.
* إجتماعيا..
من رآه مع الناس ونظر إلى وجهه البشوش وجد فيه ذلك الإنسان الذي نحتاجه كأسوة في علاقاتنا الاجتماعية.
* فقيها..
حضرت له بعض دروسه في خارج الفقه ما عدا جلساتي الخاصة معه في حجرته الصغيرة ومكتبته القيمة فكان بحق المجتهد ذو النظرة العميقة إلى أدلة الإستنباط وإسقاطاتها على الموضوعات.
* وحدويا..
كان يحترم المراجع الآخرين ولم أسمع منه قدحا في غيره وتسقيط من لا يتفق معه في الرأي.. فكان يذكرهم بالتقدير وينتقدهم بلا تشويه لسمعته.
* ولائيا..
كان شديدا في المعتقدات الولائية والشعائر الحسينية.. وكثير الحب خاصة لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
* وآخر لقائي بالمرحوم الفقيد السعيد كان في سفرتي إلى أصفهان قبل أشهر.. وبالتحديد في إحتفالية النصف من شهر شعبان الماضي مولد الإمام الحجة أرواحنا فداه.. وكان معنا نجله العلامة سماحة السيد مرتضى (حفظه الله) حيث أقمنا ثلاثة أيام ضيوفا عند أحد الوجهاء من الأساتذة الجامعيين وكنا نتحادث في أمور كثيرة ومتنوعة.. وحضر سماحته (أعلى الله مقامه) رغم كبر سنه وضعف صحته محاضرة ألقيتها في مؤسسة العالم الكبير آية الله السيد بحر العلوم (دام ظله) بحضور كبار علماء أصفهان وأساتذة وطلاب حوزاتها العلمية وعدة من الوجهاء والمؤمنين.. كما ورافقت سماحته إلى بعض الموائد التي أقيمت على شرف قدومه إلى مدينة أصفهان المحروسة ودارت في تلك المجالس أحاديث حول هموم الأمة الإسلامية وقضايا الساحة الشيعية، واستحسن سماحته ما طرحته من وجهات نظر.
كان (رحمه الله) من مصاديق العلماء الربانيين.. وكم قد رأيته في حال الصلاة خاشعا وفي مجالس أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) باكيا.. وعلى حال الشيعة في العراق وبقية البلدان متألما.. وعلى أسئلة الناس بنفسه وخط يده مجيبا.. ولقضاء حوائج الفقراء ساعيا.. ولأي شخصية رسمية تزوره ناصحا ومعاتبا…
رحمك الله سيدنا الفقيه النبيل.. فقد وفدت على رب كريم.. إنها العاقبة الحسنى بإذن الله تعالى وأنت أهل لها…
أسكنك الله فسيح الجنة وألهم ذويك وأحبتك الصبر في فراقك…
أشكرك أيها المرجع الجليل على كل ما بذلته لي من علم ونصيحة خلال 34 عاما من التواصل الحضوري والدعوات القلبية وعبر الهاتف.. كما أشكر وكالتك لي التي كتبت فيها بخط يدك الشريفة:
” وبعد.. فإن جناب المستطاب… ممن صرف ريعان شبابه وعنفوان عمره في تحصيل العلوم الدينية والمعارف الاسلامية على ضوء مذهب الإمام أميرالمؤمنين والأئمة الطاهرين -عليهم السلام- حتى نال مراتب عالية ودرجات فائقة منها، مضافا إلى ما وفقه الله تعالى من تأليف ونشر كتب ورسائل دينية مفيدة كمال الفائدة لعامة الطبقات لاسيما الشباب، ولقد من الله تعالى عليه من الأخلاق الحسنة والصفات الجميلة والملكات السنية مما يجعله أملا للمستقبل في عطاء أكبر بلطف الله سبحانه وبركات الإمام صاحب الزمان -أرواحنا فداه- ليقوم بتبليغ الدين وفق مذهب أميرالمؤمنين -عليه السلام- بمختلف الطرق التي يرتئيها من تأليف كتب وخطابة وتأسيس مراكز إسلامية، فإنه -حفظه الله- عارف بأحوال الناس وعالم بلسان العصر… وجنابه -دام عزه- مجاز شرعا في الوكالة عنا لتصدي كافة الأمور والشؤون التي تحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي، وكذلك مجاز في أخذ الحقوق الشرعية من الزكوات والنذور ورد المظالم وصرفها في مواردها الشرعية، وكذلك أخذ سهم الإمام -عليه السلام- المبارك وصرفه فيما يجلب رضاه -عليه السلام- من بناء المساجد والحسينيات والمدارس الدينية ومساعدة أهل العلم والسادات والأيتام وأمثال ذلك…”.
شكرا لك سيدي وها أنت شريك لي ولله الحمد في كل ما تم من ذلك في الأعوام المنصرمة وفي الآتية من عمري بإذنه عزوجل.. فلا تنساني عند ربك تبارك وتعالى وعند جدك محمد وعلي وفاطمة والأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) من الدعاء والشفاعة.. فما أحوجنا إلى الإستقامة حتى الوصول لحسن العاقبة.
الفقير إلى الله الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
14/شهر رجب/1435