|حديث القرآن|
تلخيصاً لكلمة ألقاها سماحته على جمعٍ من معلّمات مركز العترة لتحفيظ القرآن الكريم (التابع له) بمحافظة المحرق (البحرين) وذلك في مساء يوم الأحد (27/ ربيع الثاني/1437) 2016/2/7.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)
إنّ الحديث حول القرآن الكريم حديث عن كنوز احتواها الكتاب السماوي الوحيد الذي بقي منذ نزوله مُشِعّاً لأحبابه أنوار العلم والموعظة وأحكام المواقف التي يحتاجها الإنسان في كل شيء بل ويقدّم لنا هذا الكتاب الرؤية السديدة حول مستقبل مصيرنا أيضاً.. فهو كتاب الخير كلّه وفوق ما نتصوّره ولن ينضب نبعُه الزاخر لكل جيل وفي كل عصر.. ذلك هو جزء من معجزته التي تحدّى أعداءه على مدى 14 قرناً من منعطفات الزمان والحوادث.
القرآن كتاب مهما نتكلم عنه لا نبلغ أقلّ ما فيه من عظمة.. وكما قال عن نفسه (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) فالمطلوب هو امتلاكنا قلباً ينفتح على بصائره بالعقل وهذا هو مفتاحه.
إنني في بدء الحديث معكنّ.. أشكركنّ على تحمّلكنّ مسؤولية تعليم الكبار والصغار تلاوة القرآن الكريم وتجويده وتحفيظه على مدى عشر سنوات تقريباً في هذا المركز (مركز العترة لتحفيظ القرآن الكريم).. وكلمة شكري لا تفي بمستوى عطائكنّ القرآني أبداً.. وما يفيه هو الأجر الذي أعدّه الله لَكُنّ. وإنما أشكركنّ أنا عملاً بالحديث أو المقولة المعروفة “مَن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق”. ولأن الشكر من الآداب وعاملٌ للتقدير والتشجيع وتطوير العمل والمواصلة فيه. وربما تشمله الآية الكريمة: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
إنني في هذا اللقاء الذي أريد أن أستمع إلى إنتقاداتكنّ واقتراحاتكنّ لديّ ثلاث محاور أوجز فيها ما أودّ قوله:
* المحور الأول..
إعرفن منزلة أنفسكنّ كمعلِّمات للقرآن.. فمعرفة الإنسان لعمله وموقعه ومكانته سببٌ من أسباب نجاحه الأفضل وإصلاح النواقص التي تعيق الهدف الأسمى.
يقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن منزلة معلِّم القرآن: “مُعلِّمُ القرآن ومتعلِّمه لَيستغفر له كلُّ شيءٍ حتى الحوت في البحر”.
الحوت في لغة الروايات هو كل أنواع الأسماك وليس ما يطلق عليه إسم الحوت اليوم.
فالمعلّم القرآني والمتعلّم يستغفر لهما كل شيء في هذا الكون بأمر خالقه وحتى أسماك البحر.. وكلّما نعرف قيمة الإستغفار وآثاره علينا في الدنيا والآخرة مادّياً ومعنويّاً فسنعرف قيمة عملنا كمعلِّمين ومتعلِّمين في جلوسنا عند هذا الكتاب العظيم.
وفي حديث نبويّ آخر قال (صلى الله عليه وآله): “إِذا قال المعلِّم للصبيّ: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم. كتب الله براءَة للصبي، وبراءَة لأبويه، وبراءَة للمعلّم”.
وما عدا هذا الأجر المعنوي هناك أجر مادّي يستحقه معلّم القرآن الكريم، لقد ورد في موسوعة (بحار الأنوار: ج44 ص191 ب26 ح3) هذا النصّ: علّم عبد الرحمن السّلمي بعض ولْد الحسين (عليه السّلام) سورة الفاتحة، فلمّا قرأها الصبي على أبيه الحسين (عليه السّلام)، أعطى ذلك المعلّم ألف دينار وألف حلّة و حشا فاه دُرّاً. فقيل له في ذلك، فقال (عليه السّلام): “وأين يقع هذا من إعطائه”.
رغم أننا نعاني من أزمة مالية في المركز وأعتذر لَكُنّ على قلّة الرواتب ولكنّي هذه المرّة جئتُ لكل واحدة منكنّ بظرفٍ فيه خَمسُ دنانير تبرّكاً بعدد الخمسة من أهل الكساء (صلوات الله عليهم أجمعين) وقيمتها أنها من داخل ضريح الإمام الحسين (عليه السلام). إحتفظن بها وستجلب لَكُنّ خيراً كثيراً بإذن الله. والعجيب أن (الأنواط) أخذت رائحة عطر الضريح الشريف!!
* المحور الثاني..
ما ذكرتُه لكُنّ في المحور الأول عن مقام معلّم القرآن وأجره مشروط بِنيّة الإخلاص لله تعالى وإلا فلا أجر لغير المخلص.. فكم مِن معلِّمين وكم مِن متبرِّعين وكم مِن تالين للقرآن سيأتون يوم القيامة ولا أجر لهم، والسبب لأنهم لم يخلصوا نواياهم لله. والإخلاص قرار داخلي دقيق جدّاً لا يعلم به إلا الله إن كان مبنيّاً على الصدق أم لا.. لذا قال الإمام علي (عليه السلام): “أخلِصِ العمل فإنّ الناقد بصيرٌ بصير”.
فلابد مِن الإخلاص لا في ابتدائه فقط بل في الإستمرار عليه حتى النهاية.. وهذا صعبٌ بالفعل ويحتاج لمراقبة النفس في كل وقت. حتى قال بعض العلماء الأولياء أنّ الذي يصلّي صلاة الليل من أجل فوائدها التي وردت في الأحاديث لم تكن صلاته خالصةً لله بل هي لفوائدها!!
أنا لما كنتُ أدرس في حوزة النجف الأشرف قبل 39 عاماً قرأتُ في كتاب (مُنية المُريد) للشهيد الثاني (قُدِّس سرّه) حديثاً عجيباً مضمونه أنّ الذي ظاهره مجاهد وشهيد يأتي يوم القيامة ويرى صحيفة عمله خاليةً عن أجر الجهاد والشهادة. فيسأل عن أجره؟ ويأتيه الجواب: خُذه ممن جاهدتَ له وقُتِلتَ لأجله. فإنك لم تعمل ذلك لله تعالى لتستلم منه أجرك!!
أتمنى أن لا نضيّع فرص الأجر.. لابد لنا من تعميق نيّة الإخلاص لله في قلوبنا، فلنعمل لله حيث بيده كل شيء وليس بيد غيره أيّ شيء.
* المحور الثالث..
هنا لديّ مجموعة مقترحات ثم قَدِّمن لي ما لديكُنّ من آراء ومناقشات:
1/ طوّرن أداءكنّ في التعليم القرآني.. فبأيديكنّ قرابة ستّين طالب وطالبة.. ينتظر آباؤهم وأمّهاتهم منكنّ تخريجهم على نحوٍ أفضل. إبحثن عن أيّ جديد في أساليب التعليم تلاوةً وتجويداً وتحفيظاً.. فالإبداع ضرورة لتحسين الخدمة القرآنية وإنتاج جيلٍ قرآني يفهم معاني الآيات ويتجه للعمل بها.
2/ أريد منكنّ التعاون فيما بينكن لإدارة هذا المركز القرآني بشكل أفضل من السابق.. لا تسمحن لمرض الإختلاف أن يصيبكنّ فيهدم ما بنيتوهن ّإلى الآن. أريدكنّ فريق عملٍ متماسك متفاهم وعند الخطأ تتناصحن ولا تتحاملن على بعضكنّ البعض.
3/ حافظن على هدوء الصفوف، فالأطفال الفوضويّون يخرّبون جوّ التعليم على الأطفال الهادئين.. ومن واجبكنّ التخطيط لتهدئة الفوضويّين باللّتي هي أحسن.
4/ أيّ حاجة للصيانة في المكان إتصلن بالإخوة الذين تمّ تعيينهم لهذا الموضوع. وعند أيّ مشكلة إتصلن بالمسؤول المباشر للمركز، وفي المرحلة الأخيرة إتصلن بي. والله وليّ التوفيق.
و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ).