●الرابع من:
شهر محرّم (1437)
◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح
☜الجزء (4 من 10)
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)
في عدد الأمس ذكرنا من المحور الأول نقطة (+ألف) من العنوان (2): (التحريف..
في المسائل الحسينية.. بِدءُه وتشعُّباته).. وهنا نذكر نقطة:
+ باء:
رغم أنّ صاحب اليوم العاشورائي المخلَّد الإمام الحسين حدّد أسباب نهضته العظيمة في أول منشور أصدره بقوله: “وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي (صلى الله عليه وآله). أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي علي بن أبي طَالِب…”.
ترى البعض قد تَجاهَلَ الجانب (العِبرَوي الفكري والنّهضَوي) حتى تَوَرَّمَ لديه الجانب (العَبرَوي الدَّمعَوي) فتمسّك بالحسين الذي لا يريد منه سوى البكاء واللطم والإطعام!!
هذا تحريفٌ واضحٌ عن مسار الحسين (ع) لا يتخلف عن تحريف المستهزء بالبكائيات الذي تورّمت لديه أمور الثورة والسياسة رغم الحديث الذي يقول: “لمّا أخبر النبي (ص) إبنته فاطمة (س) بقتل ولدها الحسين (ع) وما يجري عليه من المحن.. بكت فاطمة بكاءاً شديداً وقالت: يا أبت متى يكون ذلك؟ قال: في زمانٍ خالٍ منّي ومنكِ ومن عليّ. فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبت فمَن يبكي عليه؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبي: يا فاطمة، إن نساء أمّتي يبكين على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكل مَن بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة. يا فاطمة، كل عينٍ باكيةٌ يوم القيامة إلا عينٌ بكت على مُصاب الحسين فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة”.
من واقع هذين التيّارين تتشعّب داخل الشيعة مستويات التحريف، لأنها تصبّ في غير ما دعا إليه الإمام الحسين (ع) من:
* تغيير السلوك الشخصي باتجاه عبادة الله وحُسن الأخلاق.
* العمل ضمن المشروع التوعوي والنهضوي لإنقاذ الأمة من الجهل والظلم تمهيداً لتحرير البشرية وفق الرؤية السَماوِيّة للحياة!!
وليس من هذا التحريف إذا كان أحدهما يؤمن بالآخر على نحو التعاون في توزيع الأدوار في محيط الممكن من وُسعه التكليفي دون توجيه الضربات عليه.
+ جيم:
إنّ التحريف جريمة حارَبَها الإمام الحسين (ع) وخرج لتفكيك رموزه والتأسيس للمنهج الوسطيّ المقاوم على مرّ العصور.. فهل يسمح (صلوات الله عليه) للمُحرِّف المختبئ وراء الشعائريات الحسينية -إن كان يشعر أو لا يشعر- يمارس تحريفاً من نوعٍ آخر يؤسّس للهروب من المسؤوليات الحسينية التي يفرضها عليه جانبُ (العِبرَة) والتي لولاها لما كان لجانب (العَبرَة) ما يبرِّر وجودها؟!
ومثله المُحرِّف الآخر المختبئ وراء الثّورية -كما يسمّيها- حيث يمارس تحريفه للقضية الحسينية باسم معارضة الظالمين، وهو يتهرّب من مسؤولية العقيدة ودراستها وفهمها والإلتزام بأحكام الشريعة متّبِعاً الأمزجة السياسية بالأخذ من بعض الحسين وترك بعضه الآخر!!
يكفي لإثبات بطلان هذا التحريف وذاك أن يسأل كلّ واحد منهما نفسه.. هل سيمارس إفراطه وتفريطه في حضور الإمام المعصوم أم سيخجل ويرتدع؟!
ونشير هنا بأنّ التحريف في المسائل الحسينية يصدر عن نفوسٍ جُبِلَت عليه حسب الجينات الوراثية أو البيئات العائلية أو العلاقات المجتمعية أو المصالح السياسية وعوامل القهر والحرمان والإضطهاد.. وجميع هذه الأسباب لا تعبّر عن الحقيقة في القضية الحسينية. بمعنى أن صاحب الجينات الحادّة أو الجبانة لا يعبّر عن كلّ الحقيقة التي أرادها الإمام الحسين.. وإنما يعبّر عن جانب يسير منها جدّاً.. وبالتالي فلا يجوز لنا أن نعتبر الإنسان الحِدّي حسينياً وإلا صار غير الحدّي غير حسيني. وكذلك مَن هو جبان بأثر الجينات الوراثية، فهو لا يعبّر عن كل الحقيقة الحسينية بالتأكيد بحيث يمكنه نفي الحالة الحسينية عن غيره وتنصيب نفسه الوكيل الحصريّ عن الإمام الحسين في الأرض!!
هذه القاعدة العلمية تجري على كلّ الذين يلصقون أنفسهم بالقضية الحسينية من منطلقاتهم العائلية والإجتماعية والسياسية الخاصة.. لذا لا يجوز اعتبارهم حسينييّن على وجه التمام بحيث يكون الذي لا يوافقهم خارجاً عن المحيط الحسيني.
بهذه القراءة في الخلفيات التي تدفع إلى الواجهة سلوك التطرّف الشعائري أو التطرّف السياسي لدى بعض الشيعة.. سنمتلك رؤيةً دقيقة في معرفة الأشخاص ودوافع مواقفهم تجاه قضية الإمام الحسين وشعائره المقدّسة ومِن ثَمَّ ميزان التأييد الموافقة والتنديد والمخالفة. والله وليّ التوفيق وهو المسدِّد.