من الجمعة إلى الجمعة
أسئلة واردة وأجوبة مختصرة
العدد (4)
* سؤال رقم (1): من ألمانيا.
كنتُ مُقرِّرًا مع نفسي إذا دخل شهر رجب أتفرّغ لصيامِه وصلاتِه والأدعية الخاصة به.. وذلك عملًا برواية قرأتُها عن النّبي (ص): “تَفَرَّغُوا مِن هُمومِ الدّنيا ما استطعتُم فإنّه مَن أقبَلَ على اللهِ تعالى بقلبِه جَعَلَ اللهُ قلوبَ العبادِ مُنقادةً إليه بالوُدّ والرّحمة، وكان اللهُ إليه بكلِّ خيرٍ أسرَع”.
ولكنّي منذ بدأ الشهر -مع الأسف- لم أجد في نفسي عزمًا لهذه العبادة الرجبيّة.. فكما كنتُ في السابق بالكاد أصلّي الفرائض…
سؤالي هو: لماذا أعيش هذا الخمول الرّوحي وما هي الأسباب وأين أجد الحل؟
*الجواب:
إعلم أنّ هذه الحالة تأتي عبر أسباب تراكميّة قد تنطبق عليك كلّها أو بعضها أو لا تنطبق فتكون ممن تهبّ عليهم رياح الإدبار مؤقتًا وتنتهي.
تأمّل معي في أهم هذه الأسباب:
1. تَعَلُّق القلب بأمور الدّنيا من المال والبنين والشهوات الحلال منها والحرام.. وحتى كثرة الإنغماس في الشهوات الحلال تؤدّي إلى التراجع في النشاط المعنوي والدخول في موت الروح سريريًّا.
2. هموم الحياة ومتابعة الأحداث السياسيّة بكثرة.. كالجلوس الطويل مع التلفاز أو الواتساب و…
3. ضعف المعرفة بالله من جهة، ونسيان اللذّات الأبديّة التي أعدّها الله للعابدين من جهةٍ أخرى.
4. الخلافات المهلكة عائليًّا واجتماعيًّا ودينيًّا وسياسيّا المليئة بالغيبة وأكل لحوم الآخرين والقيل والقال، فهي ما يبعث العجز في القيام العبادي، ولا فرق سواءً كانت الغيبة قولًا أو استماعًا.
وأما حالة الإدبار.. فهي أمرٌ طبيعي في المؤمن ولا علاقة له بما ذكرنا من الأسباب الأربعة، وإنما تأتيه كما يأتيه التّعب الجسدي ثم تذهب عنه كما يذهب التعب الجسدي.
وقد ذكر نبيّنا الكريم وأئمتنا الأطهار (عليه وعليهم الصلاة والسلام) هذه الحالة وبيّنوا علاجها في الإستراحة.. ونصحوا بعدم إرغام النفس على المستحبّات في هذه الحالة حتى بنفسها تشتاق للعبادة.
وهنا أقدّم لك حلًّا عمليًّا من تجربتي الشخصيّة في حالات الإدبار.. وهو مطالعة أحاديث النبيّ وأهل بيته ومواعظهم، فإنّ كلامهم نور من نور الله القائل في محكم كتابه: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ … يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
ومن المهم أن تختار الأحاديث الواضحة المعاني وبالأخصّ ما ورد في المواعظ الروحيّة والعبر المعنويّة.. ومنها الأحاديث القدسيّة مثلًا.. فإنها تبعث النشاط في الروح.. وتُعيد لك قوّة الإرادة.. عندئذ ستعود راغبًا في تلاوة القرآن الكريم وتنطلق إلى بقيّة العبادات بشحنٍ روحيٍّ متجدِّد وبصيرةٍ متقدّمة.
في الأحاديث أرشدك إلى كتاب (تُحَف العقول) وفي المواعظ والأحاديث القدسية أرشدك إلى كتاب (كلمة الله).
ثم ولكي تستقيم على ذلك فإنّ من الضرورة أن تقرأ القرآن والدعاء وأنت تفهم معنى الكلمات فيهما، وأن تصلّي لله بحضور القلب وخشوعه وتستذكر فيها دائمًا أنك عبده وأنه ربك الذي بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير.
* سؤال رقم (2): من البحرين.
ما حكم رقص النساء أمام النساء في الأعراس؟ وما حكم الغناء والموسيقى فيها؟
* الجواب:
إذا ما كُنّ بملابس خليعة.. وما كان الرّقص مثيرًا بينهنّ للشهوة.. وما كان هنالك غناء ولم تُستَخدَم فيه آلات الموسيقى.. ولا يُشاهِدهُنّ رجالٌ ولا سَفَلة.. ولم تكن في الجمع ابتذالٌ وميوعة.. لا إشكال ولا حرمة!!
وأمّا الغناء فحرام إذا اشتمل على ألفاظ مثيرة للشهوة. وتشتدّ حرمته إذا اختلطت معه الموسيقى.. وإنما الحلال في ليلة العرس هو الضرب على الطبل العادي مقرونًا بقراءة أشعار تشتمل على مدائح النبيّ وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام)، ووصف الطبيعة وحُبّ الإنسان والقيم الإنسانية.
ولا يليق بكلّ مسلمٍ ومسلمة في حفل الزواج الذي تحضره الملائكة أن يخرّب هذا الحفل المبارك بممارسة تلك المعاصي وكذلك الخلط بين الرجال والنساء. فإنّ من الثابت عندنا باعتبارنا نتابع قضايا الناس الذين يشاوروننا في مشاكلهم الأسريّة وجود تلك المعاصي في ليلة زفافهم ما يجعل الملائكة تغادر الحفل. وهنا ستنتهي تلك الزيجات وبالتدريج إلى أزمات وخلافات ثم إلى الطلاق، أو يولد منها أطفال يكونوا وبالًا عليهم وعلى المجتمع.
* سؤال رقم (3): من السعودية.
أحد أقاربي متورّط في أزمة ماليّة شديدة، يلحّ عليّ أن أطلب له قرضًا من البنك بمبلغٍ كبير ليعالج به أزمته. وأنا أخشى أن أقترض له فيعجز عن التسديد فأقع معه في أزمة مجهولة العواقب. بماذا تنصحني شيخنا؟
* الجواب:
الشخص الذي يمرّ بأزمة خانقة تمنعه أزمتُه عن التفكير السليم، فهو يريد تخليص نفسه حالًا ثم لكلّ حدثٍ حديث!!
التعامل الأفضل معه -في فرض سؤالك- هو عدم الإستجابة له مادمتَ تحتمل قويًّا عجزه في التسديد وتوريطك وأسرتك معه. ولكن في الوقت نفسه يجب عدم ترك هذا الشخص وخاصة إذا كان عزيزًا عليك.. فإنك إن دفعتَ عن المكروب كربه فقد رفع الله عنده درجاتك.. وما أحوجك إلى هذه الدّرجات وأمامك يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم.
فالمطلوب إذن هو الحلّ الوسط التالي:
بأن تعقد جلسة تشاورية بين عقلاء الأهل والأصدقاء بحضور الشخص نفسه للبحث عن مساعدته نفسيًّا وفكريًّا وعمليًّا للخروج من أزمته بأقلّ الخسائر وأفضل الضّمانات.
قال الله سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتَْ).
* سؤال رقم (4): من لبنان.
أنا شابّ في العشرين.. هل يصحّ لي أن أغيّر تقليدي من … إلى سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي؟
* الجواب:
يصحّ إذا كان قرارك مبنيًّا على القناعة بأعلميّة المرجع الشيرازي (دام ظله العالي).
وإذا قررت الإنتقال فهناك مجموعة نصائح خُذها منّي وانطلق بها:
1.. إقرأ كتب المرجع الشيرازي، وخاصة رسالته العمليّة في اﻷحكام الفقهية.
2.. خُذ من سيرته الأخلاقية مثالًا للتأسّي.. فإنه لو كانت الأخلاق رجلًا في زماننا لكانت سماحتُه وأمثالُه الأخلاقيّون.
3.. بتقليدك إيّاه لا تتعصّب ضدّ المراجع الآخرين وتتكلّم عليهم بسوء.. ﻷن المرجع الشيرازي ليس فظًّا غليظ القلب متعصِّبًا حادَّ المزاج.. إنما هو مصداق لما كتبه في كتابه (العلم النافع) بأنّ: “الناس عمومًا يُستمالون باللّين، وتؤلِّفهم الرأفة، وتُنَفِّرهم الحِدَّة. فإذا استطاع الإنسانُ كسبَ ودِّ الناس وأُلفتهم وعدم تنفيرهم عن نفسه، أصبح أكثر توفيقًا في أموره وأعماله”.
* سؤال رقم (5): من العراق.
أقوم لصلاة اللّيل (قبل أذان الفجر).. ولكن أحيانًا في ذمّتي صلوات قضاء.. فهل أقدّمه صلاة القضاء الواجبة أو نافلة اللّيل؟
* الجواب:
إن صلّيتَ القضاء الواجب في وقت صلاة اللّيل المستحبة أعطاك الله أجرهما معًا. حسب ما سمعتُه من أحد المراجع (رحمه الله). ولكن القاعدة الشرعية الثابتة هي تقديم الواجب على المستحب دائمًا إلا مع سعة وقت الواجب وضيق وقت المستحب. والله العالم.
* سؤال رقم (6): من البحرين.
هل يجوز لي الإقتراض من البنك والقبول بالأرباح الربويّة التي يأخذها منّي وأنا أريد به مساعدة الآخرين بإقراضي لهم من ذلك المال ولكن من دون أخذ الرّبح منهم، أو أن أدفعه لمشاريع خيريّة كقرضٍ حَسَن؟
وبعبارة أخرى: أيّهما أفضل.. الإمتناع عن الدخول في مثل هذه المعاملة الربويّة أو مساعدة المحتاجين بها والأمور الخيريّة؟
* الجواب:
لا يجوز الإقتراض من البنك الربويّ إلا في حال الضرورة القصوى.. لأنّ الله لا يُطاع مِن حيث يُعصى.
ولكن هل الإقتراض الرَّبَوي لإقراض المحتاجين أو المشاريع الخيريّة من موارد الضرورة القصوى؟
هذا يحتاج منك إلى دراسة الأهم والمهم في موقفك ثم شرح ذلك للمرجع الذي تقلّده طلبًا للإذن الشرعي منه إذا اقتنع بالحالة. وهذا ممكن أيضًا عبر وكيله العالم الواعي لمنطلقاتك وحيثيّاتك.
* سؤال رقم (7): من البحرين.
سماحة الشيخ.. حضرتُ مجلسك الأسبوعي واستمعتُ لمحاضرتك في تفسير (سورة النبأ). عجبني تعليقك في إجابتين منك على سؤالين للحاضرين إذ قلتَ بعد الجواب: “راجعوا غيري من العلماء أيضًا فلعلكم تجدون لديهم جوابًا أفضل”.
كلامٌ جميل وهو يَنُمّ عن تواضع صاحبه، ولكنّي لما خرجتُ من المجلس فكّرت هل الشيخ المهتدي غير واثق من إجابته؟!
* الجواب:
واثق منه لنفسي، ولكنّي لستُ مالكًا للدّين الحنيف كي أعطي رأيي فيه بالقطع كما أعطيه في البديهيّات منه. هذه ناحية. وناحية أخرى إنّ من علامات الحماقة أن يجعل الإنسان رقبته جسرًا للآخرين إلى الجنّة ولنفسه إلى النار حينما يجزم بفهمه للمسألة على أنه الحكم الواقعي عند الله تعالى.
وأزيدك ناحيةً ثالثة.. وهي أني أريد تشجيع الإخوة الحاضرين على ثقافة التعدّدية والإستماع إلى علماء آخرين ليقارنوا بأنفسهم بين الأقوال ثم يتّبعوا الأحسن منها، فلماذا أغلق باب العلم عليهم وأحبسهم في معلوماتي المحدودة.. بينما للحقّ سعة.
وأخيرًا.. إنّ هذا الأسلوب في نظري نعلّم به الناس على الإحتياط في الدّين وخاصّة في تفسير القرآن الكريم، كيلا يتجرّوا في التفسير بالرأي والإفتاء بغير علم.
كلّي رجاء إلى الله جلّ جلاله أن لا يكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدًا بجاه النبيّ محمد وآله خير الورى -صلوات الله عليه وعليهم أجمعين-.
√√ وحتى الجمعة القادمة…
نستودعكم الله.