زيارة الأربعين الحسيني
ميليونيّة الدلالات والفوائد
بيان سماحته السّنويّ إلى زوّار أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام).. لعام 1438
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله الذي هدانا بمحمد وآل محمد خير الأنام، عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، واللعنة على أعدائهم شرّ اللئام.
السلام عليكم يا زوّار الأربعين الزاحفين إلى كربلاء من أنحاء العالم.. يا مَن حارت عقولُ المُحلِّلين أن تُفسِّر ما يحمله تفانيكم في الله مِن دلالات ولائيّة عميقة لأجل الحسين ذبيح الله!!
وسلامٌ خاصٌّ مع الشكر الجزيل لأهل العراق الكرام الذين يسطّرون أروع صور الكرم في ضيافة ملايين الزوّار رغم أزماتهم الماليّة والخَدَميّة والأمنيّة…
* أمّا بعد:
فقد جاء أنّ الإمام الصادق (ع) دعا في سجوده:
«اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ ، وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ ، وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ ، وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ ، وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا ، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين ، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا ، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا ، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا ، وَغَيظاً أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا ، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ ، واكْلأُهُم باللَّيلِ وَالنَّهارِ ، واخْلُفْ عَلىُ أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلّفوا بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم ، وَأكْفِهمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ ، وَشَرَّ شَياطِينِ الإنْس وَالجِنِّ ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم ، وَما آثَرُونا بِهِ عَلى أبْنائهم وأهاليهم وقَراباتِهم ،
اللّهُمَّ إنَّ أعْداءَنا عابُوا عَلَيهم بخُروجهم ، فَلم يَنْهِهم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا خِلافاً مِنْهم عَلى مَنْ خالَفَنا ، فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيْرتها الشَّمْسُ ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ علىُ حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ عليه السّلام ، وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا ، وارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا ، وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةً الَّتي كانَتْ لَنا ، اللّهمَّ إني أسْتَودِعُكَ تلْكَ الأبْدانَ وَتِلكَ الأنفُس حتّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ الأكبر».
ما أسعدنا لو شملنا هذا الدعاء. ولكن هلّا فكّرنا في الشروط التي ذكرها الإمام؟!
تعالوا نتأمّلها جيّدًا:
* (تَهْوِي إلَيْنا)
فهل نهوي إليهم أم إلى شيء آخر؟!
* (أنْفَقُوا) (وَأشخَصُوا) (رَغْبَةً في بِرِّنا) ، (وَرَجاءً) (صِلَتِنا)
هل نحن كذلك؟!
* (وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ) ، (وَإجابَةً) (لأمْرِنا) (عَلى عَدُوِّنا)
هل بالفعل نحن نمارس ذلك أم أنّنا متوهِّمون؟!
* (أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ)
أين محلّ الرضا لله في شخوصنا إلى الأئمة من آل رسول الله؟!
* (تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيْرتها الشَّمْسُ) (تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ) (تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا) (تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا) (تِلكَ الصَّرْخَةً الَّتي كانَتْ لَنا)
هل نتعب هكذا.. هل نبكي هكذا.. هل نجزع لمصابهم إلى درجة الحرقة والصرخة، أم نفكّر في استهزاء بعض الأجانب ونخدع أنفسنا بالحضاريّات التي نتذكّرها هنا فقط، ونحن ندوس الحرّية التي هي من أهمّ المبادئ الحضاريّة؟!
أيّها الزائر.. أيّتها الزائرة:
كما أنّ للصلاة العاديّة فروقٌ مع الصلاة التي يصلّيها الخاشعون كذلك للزيارة شروط في الإرتقاء بها إلى مستوى دعاء الإمام الصادق وإلا صارت الزيارة عاديّة. هذا إن لم تختلط معها المحرّمات. مثل ذهاب البعض إلى هذه الزيارة العظيمة لتخريب أجوائها الروحانيّة ببثّه فتن الخلافات بين الزوّار ضدّ المراجع والعلماء والخطباء بناءً على مزاجه المتطرّف في الولاءات السياسيّة أو الحماقات البرائيّة.
ومثل الذي يلهث وراء الإنتفاع المالي في هذا الموسم برفع أسعار خدماته للزوّار.. ومثل إطلاق البعض عيونهم على النساء.
وأما الحثالات -وهم ليسوا زوّارًا- فيذهبون للإلتصاق بهنّ عندما تزدحم الطرق، فعليهم لعنة المعصومين والشّرفاء أجمعين.
فمن أجل الإرتقاء إلى مستوى يشملنا دعاء الإمام الصادق (ع) نوجّه إلى مجموعة مفاهيم:
* أوّلًا..
(معرفة الذّكرى وعظمتها)
إنّ في إحياء ذكرى الأربعين الحسيني بركات معنويّة لا تُعَدّ ومنافع مادّية لا تُحصى ما عدا ثوابها الأخرويّ الخارج عن تصوّرنا الدّنيَوي. البعضُ قد يرى بعضَها، وأما ذوو البصائر الحسينيّة فيرون منها الجوانب الأكثر حسب درجاتهم في المعرفة الصحيحة بالمقام الغيبي لهذا الإمام السبط الشهيد ضمن الإعتقاد بأصل الولاية ومنظومتها الكاملة.
وتأتي شعيرة الأربعين المليونيّة تحت عنوان شدّ الرحال إلى قبره الشريف كأعظم شعيرة من الشعائر الحسينية المقدّسة بعد شعيرة عاشوراء الذي “بَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْاَرَضُونَ السَّبْعُ وَما فيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنا وَما يُرى وَما لا يُرى”. كما في الرواية عن الإمام الصادق (ع).
فلابدّ لنا من وعي هذه الذّكرى في عظمتها الإلهيّة كي ندخلها ونحن عارفون بصاحبها حقّ المعرفة وبمنزلته عند الله تعالى التي قالها الإمام الصادق (ع) أيضًا في زيارته لجدّه الإمام الحسين (ع): “اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ”.
* ثانيًا..
(الجُذر التاريخي)
تعود البداية التاريخيّة لهذه الزيارة المقدّسة إلى الإمام زين العابدين وعمّته السيدة زينب لمّا قادا من أرض الشام إلى كربلاء قافلة الإنتصار المعنوي والسياسي والإعلامي والشعبي والتاريخي على الطغيان الأموي، وذلك بالمعيار الحقيقي للإنتصار عند الله ورسوله لا بالمعيار المادّي الذي انتهى بعد سنتين بموت يزيد وقصاص المختار الثقفي من القتلة والمجرمين.
وفي كربلاء التقت القافلة بالصّحابيّ الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري الذي كان قادمًا من المدينة المنوّرة مع تلميذه العالم المجاهد (عطيّة العوفي) لزيارة قبر الإمام الحسين بعد مرور أربعين يومًا من إستشهاده الفجيع وشبابه وأصحابه.
فأقاموا هناك أوّل مأتمٍ أربعينيٍّ لسبط رسول الله وشهداء الطفّ وسط بكاءٍ شديد وحزنٍ عميق ومعرفةٍ إيمانيّةٍ عالية الجودة، وكان خطيبهم النّاعي هو الإمام زين العابدين إبن الإمام الحسين وما أعظمه من خطيب هزّ أركان دولة الظلم في محضر رئيسها يزيد وابن زياد.
هذا هو الجُذر التاريخي في التأسيس لمسيرة (المشّاية) وزيارة الأربعينيّة التي تفاعَلَ معها الشيعة قرونًا بعد واقعة عاشوراء وتكاثَروا إلى هذا اليوم في تزايدٍ ميليونيّ متصاعد.. يتحرّكون إلى رمز الإباء والبطولات من أنحاء العالم بالأبدان ويشيّعهم المعذورون المتلهّفون بالأرواح والوجدان ليستلهموا جميعًا من رسالة الذّكرى مسؤولياتهم تجاه الأمانة الحسينيّة الخالدة.
* ثالثًا..
(إستثمار هذه الظاهرة المباركة)
إنّ ظاهرةً دينيّةً ذات أبعاد شعبيّة وسياسيّة واجتماعيّة بهذه العظمة لجديرةٌ بعظماء الشيعة المعاصرين أن يقفوا عندها موقف الشكر لله والتأمّل والتوجيه والإستثمار الصحيح. وهي ظاهرةٌ يحلم بها غير الشيعة ولن يجدوا القليل منها عندهم.
فمن الواجب أن نصون هذه القوّة الولائيّة المتنامية شعبيًّا وشعائريًّا ونعطيها حقّها على كافّة الصُّعُد لمنع تسلّل الآفات إليها والآفويّين الذين لا تخلو منهم أيّة جماعة، خاصة والوجود الشيعي بكلّه والشعائريّ منه بالخصوص واقعٌ في مرمى الإستهداف الطائفي البغيض الذي يحرّكه الأجنبي سرًّا على المفضوح، والآفويّون صاروا أدواتهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون!!
فملايين الشيعة القادمين من أرجاء العالم والبلدان المجاورة ومن داخل العراق إلى كربلاء المقدسة ينتظرون من مراجع الدين والعلماء الربّانيين والمثقفين المتقين والشباب الواعين أن يقدّموا إليهم مشروعًا متكاملًا في الفكر والعقائد والعبادة والتربية والأخلاق والإجتماع واﻹقتصاد والسياسة والصحّة والإدارة والزراعة والتخطيط المدني والعمراني والتعليمي والإعلامي والمفهوم الحضاري للحياة الإسلامية، ليعودوا إلى أوطانهم بزيادة الزّاد في حُبّ الحسين وفِقه البيعة المتمثّلة اليوم في حفيده الإمام الغائب الحاضر مولانا الحجّة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه).
بهذه الرياديّة في استثمار الزيارة سيقضي عقلاؤنا على الخلافات المدمّرة التي يثيرها الجهلاء، وبها أيضًا سيطوّقون المُندَسّين في زيّ العلماء والمتمرّدين على حدود الأخلاق والتقوى واللياقة العلميّة.
وفي هذا السّياق نؤكّد على:
• ضرورة التوافق الذّهني المسبق بين الجميع على تثقيف الزائر الشيعي بالوقوف عند حدّ مرجعه الديني وعدم تطاول أحدٍ على ما يراه مرجعُ غيره بُغية إخضاعه لرأيه ومصادرته لحرّيته، وإلا اتّهمه بالعمالة والخرافة دون ورعٍ وحياء.
• القيام بالعمل الإيجابي في إطار التنافس الشريف على خطوطٍ متوازية مع الإحتفاظ بحقّ الحرّية والإختيار لكلّ مَن يستند في آرائه ومواقفه على مرجعيّات ذات مؤهلات شرعيّة.
* رابعًا..
(الوعي.. مسؤوليّة كلّ شيعي)
يجب على المنتمي لمذهب أهل البيت أن يفتح وعاء قلبه ليَدخُله المزيد من تعاليم دينه الإسلامي الحنيف. إذ لا يليق بالشيعيّ أن يكون متوقّفًا عند حدّ أو يكون جاهلًا إمّعيّا كالهَمَج الرُّعاع، أتباع كلّ ناعق، يميل مع كلّ ريح، فيسحبه خبرٌ إلى أقصى اليمين، ويجرّه خبرٌ إلى أقصى الشّمال!! خاصةً في زمن العولمة الإعلامية وسهولة الكذب وسرعة انتشاره في قالب الصّدق!! فلماذا أعطانا الله العقل إذن؟! ولماذا حثّنا القرآن الكريم على التفكّر؟! ولماذا نَصَحَنا النبيّ وأهلُ بيته بالورع ودقّة الكلام ودقّة الإستماع ثم النظر إلى حساب الآخرة قبل كلّ قولٍ وفعل؟!
إنّ الوعي السليم يُكسِب صاحبَه القدرة على استنطاق المناسبات الإسلامية ومنها هذه المناسبة المليونيّة فيجعله بمستوى توظيفها على طريق العزّة والكرامة وإنتاج الأسرة الصالحة وصناعة المجتمع الإيماني المتميّز، وهذا ما يجعل الشيعيَّ في موقعٍ أكثر فاعليّةٍ مع أهداف الإمام الحسين والتي هي أهداف جدّه النبيّ محمد خاتم النبيّين.
فالذي لا يهتم بوعيه الدّيني ويحسب مجرّد حبّه للحسين (ع) -من غير العمل- يكفي تراه يتخبّط في سلوكه مع أهله ومع الناس خلافًا لوصيّة مولانا الإمام الباقر (ع) التي حمّلها صاحبَه خيثمة لمّا دخل عليه لتوديعه فقال: “أبلِغ موالينا السّلامَ عنّا وأوصِهم بتقوى اللهِ العظيم، وأعلِمهُم يا خيثمة إنّا لا نُغنِي عنهُم مِن اللهِ شيئًا إلا بعمل، ولن ينالوا ولايَتنا إلا بِوَرع”.
إنّ الشيعي الحقّ يجب عليه الإهتمام بنفسه لبلوغ درجة الإلتزام بقول إمامه أميرالمؤمنين عليّ (ع): “مَن أحبَّنا فليعمل بعملِنا وليستَعِن بالوَرَع، فإنّه أفضلُ ما يُستعانُ به في أمرِ الدّنيا والآخرة”.
* خامسًا..
(نعم لتطوير الشعائر تأصيليًّا)
ونقول لا للحُبّ القشريّ الذي لن يحمي الإرث الحسينيّ الكبير وأهدافه الإصلاحية الكبرى، كما نقول لا للدّعوات الحداثويّة الرّامية إلى حذف بعض الشعائر وممارسة بعضها الآخر منزوع الرّوح والحرارة!!
إننا في الوسط بين هذا وذاك نوجّه إلى تطوير الشعائر بمختلف الأنماط الجديدة وفي أعقل صورها الهادفة ولكن عبر خلق حالةٍ من التمازج الرسالي بين العقل والعاطفة وبين القديم منها والجديد مع الإحتفاظ بروح الحزن والجزع فيها لتبقى الشعائر عِبرةً وعَبرة تضخّ في الأجيال القادمة ما ضخّت في السابقين من حرارةٍ قالها الرّسول الأعظم (ص): “إنّ لِقَتلِ الحُسينِ حرارةً في قلوبِ المؤمنين لا تَبرُدُ أبدًا”.
هذا ما دعى إليه المرجع الموسوعي الكبير السيد محمد الشيرازي (أعلى الله درجاته) قائلًا: كلما يُذكَر الإمام الحسين (عليه السلام)، يُذكَر إلى جانبه: الإسلام، القرآن، الحرّية، الإستشاريّة، المؤسسات الدستورية، التعدّدية الإيجابيّة، التنافس، الأخوّة الإسلامية، الحقوق الإنسانيّة الفرديّة والإجتماعية، العدالة العامّة والضمان الإجتماعي، التقدّم والإزدهار، الرُّقيّ والحياة الرغيدة، السعادة والهناء.
کما ويُذكَر إلى جانبه: الحرب ضد التجبُّر والطغيان، وضدّ الدكتاتوريّة والإستبداد، وضدّ التوحُّش والبربريّة، وضدّ التقهقر والرجعيّة، وضدّ الفقر والجهل، وضد الاستثمار والاستعمار، وضدّ الكبت والحرمان…
ثم يقول سماحته: إنّ الذي يجسّد هذه القيم، وينشرها في ربوع الكرة الأرضية، هو: إقامة الشعائر الحسينية، ونشر ثقافة المنبر الحسيني، ويجب أن يكون ذلك عبر الفضائيات والإنترنيت، ووسائل الإعلام القديمة والجديدة، وفي جميع بلاد العالم…
ويضيف قائلًا: وهذا يتطلّب من المسلمين جميعاً، وخاصة أصحاب الهيئات والمواكب، وأهل القلم والمنبر، وذوو الخطابة والبيان، أن ينظروا إلى قضية الإمام الحسين (عليه السلام) بنظرة أوسع، وأن يتعاملوا معها برحابة صدر أكبر وأن يعلموا بأن الإمام الحسين (عليه السلام) خلف جدّه الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي بَعَثَه الله تعالى إلى الناس كافّة، وأرسله إلى العالم كلّه.
ويختم الإمام الشيرازي قوله: فلو استطعنا أن نوصل صوت الإمام الحسين (عليه السلام) ونداءه، وأهدافه وتعاليمه إلى جميع العالم لتحقّقت الآية الكريمة مجدَّدًا:
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا).
* سادسًا..
(توصيات للزوّار الكرام)
1/ سيروا إلى كربلاء وألسنتكم تلهج بذكر الله وبالصلاة على النبيّ وآله وبالإستغفار والدّعاء والتفكّر في أمور المسلمين.
2/ إستمعوا في طريقكم الطويل إلى ما يُتلى من القرآن الكريم وما يُلقى من القصائد العزائيّة والمحاضرات الدينيّة والأدعية.
3/ تَحادَثوا مع بعضكم البعض بهدوء لا بعصبيّة، وتبادلوا معلوماتكم على نحو الحوار حول شؤونكم الدينيّة والدنيويّة وما يتصل بدار الآخرة.
4/ صَلّوا في أوّل وقت الفريضة قدر الإمكان.. والأفضل بالجماعة.
5/ تذكّروا قصة كربلاء وأنتم تتفكّرون في ملاحم الحسين والعباس والأصحاب في ليلة عاشوراء ونهاره ومواقف السيّدة زينب بعد ذلك وما جرّعهم الظالمون من مصائب لم يسبق لها مثيل قبلها ولا بعدها.
6/ حافِظوا على النّظم والنظافة ولا تسمحوا للفوضى أن تحكم مسيرتكم ولا للغيبة فتسلبها المهابة والمعنويّة.
7/ كونوا بمستوى المسؤوليّة في طول المسيرة وفي حالات الطوارئ، وأنتم تحملون فوائد الزيارة زادًا لكم ولأهاليكم.
8/ قرّروا للزيارة القادمة بإذن الله أن تكونوا دعاةً لها في كلّ العالَم ليتجاوز العدد المليوني نحو أضعاف. فيكون لكم أجر كلّ زائرٍ جديد.
* وكلمة أخيرة:
لقد تبيّن مما أسلفناه أنّ لهذا الحضور المليونيّ المتنوّع من مختلف الأعمار والأجناس واللغات والتوجّهات العلمائية والأكاديمية والسياسية وبقيّة الفئات المجتمعيّة.. دلالات وفوائد من رحيق الإسلام ومَعين عَذبِه الزّلال، حيث الوفاء لمحمدٍ والمودّة لذي قرباه.. وحيث التعاون الشعبي على البرّ والتقوى.. وحيث تتحرّك مفاهيم الكرم والضيافة والمحبّة والتواضع والإيثار مع مفهوم التعارف بين مختلف الشعوب والقبائل الشيعيّة وغير الشيعيّة.. وحيث التوعية بثقافة العلاقات العامّة والترابط الإجتماعي والتماسك المصيري وتبادل المنافع التجارية والتفاهم السياسي…
في هذه الأجواء الطيّبة ينمو لدى الحسينيّين أيضًا شعورُ التحدّي لكلّ الصّعاب وإرادةُ الصدّ لكلّ المؤامرات التي تُحاك ضد سلامة دينهم المتمثّل في الثقلين (كتاب الله وعترة رسول الله).
وبهذا الإعتقاد الواضح ينفتح الحسينيّون على غيرهم من موقع الإعتزاز بدين الإسلام والثقة بالنفس وحُبّ الهداية لهم من غير عنفٍ ولا بذاءةٍ ولا دماء…
فلا يحتاج أتباع مذهب أهل البيت (ع) بعدئذ
إلى تنازلات حداثويّة ولا إلى مزايدات برائيّة رافضيّة.. وكلتاهما ضحيّتان للتعصّب والإنفعالات ومُستدرَجتان على سراب الفعل وردّات الفعل لخدمة (آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)!!
داعيكم الملتمس لدعواتكم:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
20/صفر المظفّر/1438