●السابع من:
شهر محرّم (1437)
◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح
☜الجزء (7 من 10):
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)
إنتهينا في عدد الأمس من العنوان الأول للمحور الثاني (فريضة التصحيح)، وهنا نتحدّث عن:
العنوان الثاني:
(دراسة المسائل الحسينية من مصادر معتبرة)
هذا الموضوع يحتاج إلى جهود كبيرة ولجان علمية تعمل بتوجيه مراجع الدين الذين هم بدورهم يلتقون ببعضهم ويتشاورون أو يتواصلون عبر وكلائهم الواعين لوضع الحجر الأساس في هذا المشروع التصحيحي الواسع.
فلا شك أنّ الكتب التاريخية بمرور الزمن قد شابَها الخلطُ وتداخلت نقولاتُها بين الصحيح الكثير وبعض السقيم.. حتى أصبح التفكيك بينهما عملاً شاقّاً لا يفي به الجهد الفردي.. وحتى الجهد الجمعي إذا كان من تيّارٍ بلونٍ واحد وتابعٍ لمرجعية شخصٍ واحد لا يفي بالمطلوب تماماً على مستوى كل الطائفة. فلابد من مركز دراسات تخصّصية يتعاون فيه علماء وخطباء متميّزون من كل المرجعيات.
هذا المشروع العلمي تشرّعه المقولة التي ينادي بها الجميع أنّ الإمام الحسين (ع) إمام الجميع.. فهو شخصية عظيمة ومسائل نهضته متشعّبة وذات أفق رفيعة.. وليس ملكاً لجماعة دون جماعة، فمن الطبيعي إشتراك الجميع في صناعة وعيٍ أكثر دقّة وشمولية كنتاجٍ تصحيحي أقرب إلى الإجماع الناسف لأيّ خلافٍ بعده.
وهذا من أهم مصاديق التعاون على البرّ والتقوى الذي أمَرَنا الله به وقال عنه الإمامُ عليّ (عَلَيهِ الّسَلامُ): “أفضَلُ الناسِ رَأْياً مَن لا يَستَغنِي عن رَأيِ مُشِيرٍ”.
وفي حديثٍ قال الراوي سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول لأصحابه: “إتّقوا اللهَ وكونوا إخوةً بَرَرَة مُتحابّين في الله، متواصلين متراحمين، تَزاوَروا وتلاقوا وتذاكَروا أمرَنا وأحيوه”.
إن المجاميع الشيعية عندما يتّجه فيها الجميع صوب هذا النوع من التعاون الإيجابي المشترك في فريضة التصحيح لروايات واقعة كربلاء سيتمّ تجفيف منابع التحريف من النوعين (القشري في الشعائر وتسييسها الدنيوي) حتى لو سقط في أحدهما كبار الشخصيات غير المعصومة!!
فعلى سبيل المثال قبل أيام نشر البعض سطوراً منسوبةً إلى سماحة الشيخ الوائلي (رحمه الله) أنه قال: “الحسين لا يريد منك أن تُدمي رأسك ولا يريد منك أن تذلّ نفسك بل أرادك قوياً شامخاً. الحسين لا يريد منك أن تضرب ظهرك بالسلاسل إنما أرادك أن تصفع وجه الظالم”!!
ونحن حينما نُخضِع هذا الكلام للدقة -إن صحّ صدوره عن سماحة الشيخ (طاب ثراه) ولم يكن مما تراجع عنه في أواخر أيام حياته كما تبيّن لي في لقائي به فترة ارتقائه المنبر في ديوانية الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) في الكويت- فإننا نجد من الأفضل أن يكون هكذا: “الحسين يريد منك أن تُدمي رأسك ولا تذلّ نفسك، وأن تضرب ظهرك بالسلاسل لتندمج في آلامه فتتقوّى في عزمك حينما تنتزع شموخك في وجه الظالم”.
ومثله عندما نريد تفسير السلوكيات الشعائرية بشكلٍ عام.. مثلاً حول (التطبير) بدلاً عن الحرب الممزّقة للشيعة فيه كان يمكن إعطاؤه وجهةً هادفةً لاحتضان مئات آلاف المطبّرين في العالم الشيعي.. كما فصّلنا ذلك في كتابنا (لماذا التطبير) فنقول إنه شعيرة الحماسة العاشورائية تدرّب النفس على الصبر في الحوادث.
وهذه كانت سيرة النبي الأكرم (ص) الذي لم يعلن الحرب على كثير من عادات المجتمع الجاهلي بل أبقاها مع تطعيمها بالهدفية.. ومثاله البارز مناسك الحجّ وقد كانت أكثرها تُمارَس قبل الإسلام فوجّهها الإسلام نحو أهدافها وألّف بين قلوب الناس بدلاً عن إسقاطهم في وحل الخلافات والنزاعات.
إننا نعتقد وبالتأسيس لمركز تخصصّي دراساتي من كافّة الأطراف المرجعية ومن دون الحذف والإقصاء لأحد سينتج الشيعة خطاباً جديداً إلى البشرية في دمج العواطف المتعادلة ولائيّاً وشعائريّاً بالمواقف الوسطية هدفيّاً وحركيّاً.
فمصادر المعرفة دائماً وأبداً هي التي تصنع الثقافة وسلوكها في الحياة وتبرز شاكلة المجتمعات والأحداث.
ما أعظمها قضية الحسين وقصة عاشوراء وآثارها وبركاتها لو دخلناها من بابها…
وكم قد خسرنا منها الكثير لما شغلنا أنفسنا بالتطرّف السياسي والغلوّ الشعائري فضاعت بينهما الوسطية والعقلانية.. وضاع معها الحسين بن علي ونهضته المشرقة.
هذا.. وحيث من الصعب تحقيق مركز دراسات بالمواصفات المذكورة.. فعلى حكماء الساحة وعقلاء الشيعة وخطباء الشعائر الحسينية أن لا ينسوا الأخذ من الكتب المعتبرة مشفوعاً بالتفكّر الذاتي والتأمّل في الطرح العاشورائي.. وليكن ما يعصمهم عن الخطأ هو الإخلاص لله تعالى في النوايا ونبذ الأنا والهوى.