العام الدراسي الجديد
وذكرى مولد الإمام الرضا (عليه السلام)
بيان سماحة العلامة المهتدي في ذكرى مولد الإمام الرضا (ع) التي تزامنت هذه السنة مع افتتاح المدارس وعودة الطلاب والطالبات إلى مقاعد الصفوف…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالقراءة والقلم وطلب العلم واكتساب قيم الرب.. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أكرم العلماء وأشاد بالمتعلمين ومنحهم رفيع الرتب.. وعلى أهل بيته الذين كانوا أعلم أهل زمانهم ونشروا علوم الدين والدنيا في العباد والبلاد.. واللعنة على الذين عادوهم وضلوا الناس في متاهات الجهل والجريمة والفساد.
وأما بعد..
فقد قال الله تعالى:
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
أيها الأساتذة الكرام والطلبة الأعزاء في الحوزات الدينية والمدارس الرسمية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم.. حيث تزامنت ذكرى مولد الإمام الرضا ثامن أئمة أهل بيت النبي المصطفى (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) مع بدء العام الدراسي الجديد في أكثر الحوزات الدينية وافتتاح المدارس الرسمية في بلاد المسلمين والعالم وعودة الطلبة إلى صفوفهم الإبتدائية والإعدادية والثانوية وكذلك الأطفال الصغار إلى روضاتهم.. جدير بنا أن نطلق فيه خمس رسائل في هذا الفضاء العلمي تذكيرا وترشيدا:
* أولا..
إن العلم نور والجهل ظلام.. ولقد جاءت الأديان السماوية وعلى رأسها دين الإسلام العظيم لتخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.. ﻷن في النور يعيش الإنسان حقوقه التي تحقق له السعادة والسلام والرفاه والحرية والتقدم. وهذا هو هدف أديان الله ودينه الإسلامي الخاتم.
وهذه الحقيقة تجعل العلماء والطلاب والمدرسين أمام واجب كبير.. وهو التركيز في طلب العلم النافع والترويج لمعلومات تتصل بحاجات الإنسان المعنوية والمادية معا ﻷجل تمكين جيل المستقبل من بناء مجتمعاته المتطلعة لغد حضاري منزوع الظلم والكراهية والتخلف.
ولو أننا جعلنا النظرة إلى واقعنا وحياتنا من زاوية هذه الحقيقة لوقفنا عند حكم العقل والشرع الذين يتفقان -وهما دائما متفقان – على قيمة الوقت ووجوب تصريفه نحو طلب العلم النافع وفي كل مجال يؤدي بنا إلى سعادتنا وخير الناس وطرد الشر علينا وعليهم.
* ثانيا..
من هنا كان النبي الأكرم والأئمة من أهل بيته يرفعون مقام العلماء الصالحين فقط.. وذلك تطبيقا لقول الله عزوجل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وبالفعل.. إنما هذا الإجلال من الله والرسول والأئمة هو للعالم الذي اكتسب علما ينفع به العباد والبلاد.. أما الذي تغطى به على فساده وشهواته ونزواته وإضلال الناس وخداعهم ولاسيما أصحاب الفتاوى التكفيرية والدموية فقد حذرنا الله منهم ورسوله والأئمة.. وتوعدوا هؤلاء المنحرفين بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.
فقد ورد في الأحاديث الشريفة: “أمقت العباد إلى الله الفقير المزهو والشيخ الزان -أي كبير السن ويزني- والعالم الفاجر”.”أبغض العباد إلى الله سبحانه العالم المتجبر”.
* ثالثا..
إن من الواجب العقلي والشرعي على كل عالم أو متعلم أن يأخذ علمه من مصادره الصحيحة.. وفي مقدمتها القرآن الكريم وأقوال النبي محمد وأهل بيته الأئمة الإثني عشر.. ثم القبول بكل ما وافقهم ولم يخالفهم سواءا الجديد من العلم أو القديم.
يقول العالم الثقة أبو صلت الهروي سمعت الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: “رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا”.
فهذا هو الميزان والمعيار وليس حتى قول عالم أفتى واستحسن رأيه.. إذ كم من عالم في الحاضر والماضي قد اتبع هواه فصار أمره كأمر السفينة لما تنكسر.. إنها تغرق وتغرق معها كل من فيها!!
وفي زماننا حيث كثر علماء السوء وانتشرت العلوم الفاسدة كالنار في الهشيم عبر الأفلام الفضائية والبرامج الإفسادية وقنوات التواصل الإجتماعي وظهور التطرف الفكري والدموي.. قد تضاعفت فريضة التحصين الفكري والعلمي والتربوي لجيل الشباب والشابات بإعطائهم الوجهة السليمة في الحياة عبر العلم الصحيح والإرتباط بالعلماء الربانيين ومصادر المعرفة للعلوم الإنسانية في بناء شخصية المسلم النبيه والإنسان العاقل.. ألسنا نقرأ عن محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين): “لو أن أهل العلم حملوه بحقه لأحبهم الله وملائكته ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله تعالى وهانوا عليه”.
* رابعا..
الحياة في هذه الدنيا مرة واحدة والعمر لن يتكرر أبدا.. حري بنا ولاسيما الشباب والشابات أن يدرسوا ويتعلموا ويجدوا ويجتهدوا ويقرأوا ويتفكروا ومن ثم يلتزموا الخير في سلوكهم.. فإننا هنا في دار عمل ولا حساب.. وسنموت يوما مهما طالت الأعمار وإذا نفتح أعيننا على حياة كلها حساب ولا عمل.. فمن أي المعشرين نريد أن نكون يومئذ.. معشر الذين يدخلون الجنة ونعيمها الأبدي الدائم، أم معشر الذين يقول عنهم القرآن الكريم: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ).
فليحذر كل عالم وكل طالب علم وكل متحدث للناس وناشر فكرة وكاتب مقال في الدرجة الأولى.. وليحذر كل حاكم وكل وزير وكل مسؤول وكل إنسان عادي في الدرجة الثانية من يوم النهاية المحتومة هنا.. وهو يوم البداية المحتومة لسفر الآخرة!!
* خامسا وأخيرا..
فما هي رسالة العلم والعلماء وكيف يجب أن يصنع الطلاب والطالبات أفكارهم وسلوكهم؟
بعد الوعي للنقاط الأربعة المذكورة ندعو أنفسنا ومن يبلغه هذا البيان أينما كان إلى التأمل الجاد في قول حفيد الرسول الأعظم الإمام جعفر الصادق (على جده وعليه الصلاة والسلام) هذا:
“النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ، جَاهِلٌ مُتَرَدِّي مُعَانِقٌ لِهَوَاهُ، وَعَابِدٌ مُتَقَوِّي كُلَّمَا ازْدَادَ كِبَرَاً، وَعَالِمٌ يُرِيْدُ أَنْ يُوطِأَ عُقْبَاه وَيُحِبُّ مَحْمَدَةَ النَّاسِ، وَعَارِفٌ عَلَى طَرِيْقِ الحَقِّ يُحِبُّ القِيَامَ بِهِ فَهُوَ عَاجِزٌ أَوْ مَغْلُوبٌ فَهَذَا أَمْثَلُ أَهْلِ زَمَانِكَ وَأَرْجَحُهُمُ عَقْلا”ً.
سائلين من الله العلي العظيم أن يبصرنا عيوبنا ويوفقنا للقضاء عليها بالعلم النافع والعمل الصالح إنه كان بنا رحيما وهو أكرم الأكرمين.. وصلي اللهم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
داعيكم المحب:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
11/ذي القعدة/1435
2024/9/6
البحرين – محافظة المحرق