تلخيصا لكلمة سماحته التي ألقاها ليلة ميلاد الإمام الحسين في مسجد الإمام علي (عليهما السلام) ببلدة بني جمرة (3/ شهر شعبان/1435).
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكم ذكرى مولد الإمام الحسين سبط النبي الأكرم (عليهما الصلاة والسلام) ولي في كلمتي محوران:
المحور الأول.. وفيه أربع محطات نورانية من ولادة الإمام الحسين إلى شهادته:
* المحطة الأولى
رويت عن مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) أنها لما حملت بالحسين (ع) قال لها النبي (ص):
” إني أرى في مقدم وجهك ضوءا ونورا وستلدين حجة لهذا الخلق “.
* المحطة الثانية
قالت فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام): ” إني لما حملت به كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح “.
* المحطة الثالثة
روى طاووس اليماني كما في كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم التوبلاني:
أن الحسين بن علي (عليهما السلام) كان إذا جلس في المكان المظلم، يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره.
وهنا لا تستغربوا إذا طرقت آذانكم رواية تقول أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان كثيرا ما يقبل الحسين (عليه السلام) في نحره وجبهته.
* المحطة الرابعة
قال أحد المجرمين لما رآى الإمام الحسين صريعا وتقدم ليحز رأسه الشريف: والله لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله.
نعم أيها الموالون إن هذا النور الذي أخبر عنه هذا المجرم اللعين كان في وضح النهار وكانت الشمس ظهيرة حارقة وكان الحسين (عليه السلام) قد غطى وجهه الدم والتراب ومع ذلك كان يشع نورا.
المحور الثاني:
هذا الحسين الذي أنتم الليلة تجتمعون في ذكرى ميلاده.. هلا قلتم لي ماذا تريدون منه؟
+ قد يقول البعض
أريد منه الشفاعة يوم القيامة.
أقول: ممتاز.
+ وقد يقول بعض آخر
أريده أن يوفقني لزيارة قبره الشريف والدعاء تحت قبته النوراء.
أقول: ربنا تعالى يكتب لك ذلك.
+ وقد يقول بعض
إني أريده أن ينور قلبي للهداية إلى ما يريده الله مني.
أقول: جميل جدا ما تطلبه.
+ ولعل بعضا يقول
أريد أن يدعو الله لي بأن أحصل على وظيفة براتب ألف دينار وبيت واسع وزوجة صالحة وسيارة مرسيدس هدية الزواج!!
أقول: ما أحلاك.. أبدا ما طلبت شي يالغالي!!
+ وقد يقول بعض
أريد من الإمام الحسين أن يطلب من الله التعجيل لظهور حفيده الإمام الحجة.
أقول: جدا رائع هذا الطلب.
+ ولكن.. كأني أسمع همسة بحراني مستضعف ساكن في بيت من حطب و(چنکو) يقول شيخنا أنا قانع جدا جدا
فقط أريد من الحسين بحق هذه الليلة أن تنتصر ثورتنا!!
أقول: طلبك مكلف يا أخي.. الصبر زين!!
+ وأما أنا فأقول أريد من الحسين أن يعلمني السر الذي به أكون حسينيا.
أظن أني وقعت على السر.. ألا وهو التسليم لله الواحد الأحد.
والتسليم يعني أن لا نتصرف على مزاجنا.. فإن هناك حدود إسمها حدود الله وعلينا الطاعة له في إطارها بروح العبد صاحب القلب السليم.
فهل نحن مستعدون؟
أذكر لكم مثالا واحدا من قول الحسين وفعله لنرى كم نحن مستعدون للتسليم خلاف الرغبة الشخصية.
فقد روى إبنه الإمام زين العابدين ، أنه سمع أباه الإمام الحسين يقول:
“لو شتمني رجل في هذه الأذن – وأومى إلى اليمنى – واعتذر لي في الأخرى لقبلت ذلك منه. وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حدثني أنه سمع جدي رسول الله يقول:
لا يَـرِدُ الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل”.
وكما قلت: الإمام عندنا ليس قولا من دون فعل.. بل قول وفعل.
إقرأوا معي هذا الدليل الذي كتبه المحدث القمي صاحب كتاب مفاتيح الجنان:
رأيت في بعض الكتب الأخلاقية ما هذا لفظه:
قال عصام بن المصطلق: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي ، فأعجبني سمته ورواؤه ، وأثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من البغض، فقلت له: أنت ابن أبي تراب؟
فقال : نعم.
فبالغت في شتمه وشتم أبيه!!
فنظر إلي نظرة عاطف رؤوف، ثم قال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
بسم الله الرحمن الرحيم
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ)
ثم قال لي: خفض عليك، أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك، ولو استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك.
قال عصام: فتوسم مني الندم على ما فرط مني.
فقال: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
أمن أهل الشام أنت؟
قلت: نعم.
فقال: شنشنة أعرفها من أخزم ، حيانا الله وإياك، انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عصام : فضاقت علي الأرض بما رحبت ووددت لو ساخت بي ، ثم سللت منه لواذا ، وما على الأرض أحب إلي منه ومن أبيه.
وفي الختام:
أرجو أن قد وفقني الله في هذه الليلة المباركة أن عملت بقول الإمام الحسين بن علي:
“من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله عزوجل له:
يا أيها العبد الكريم المواسي لأخيه إني أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم”.