{حوار ما بعد الأربعين}
حوار جمعٍ من الشباب مع سماحته بعد خطبته التي ألقاها فور الإنتهاء من موكب تطبير أهالي المحرّق صباح يوم الأربعين الحسيني 1438
كتبه: حسن عبدالجليل محمد.
وراجعه: سماحة الشيخ نفسه.
سؤال (1):
عظّم الله أجوركم شيخنا الجليل. كيف رأيتم موكب اليوم؟
* المهتدي: وأجوركم حبيبي وأجور جميع الموالين والمواليات في أنحاء العالم بمصابنا في سبط رسول الله (ص) أبي عبدالله الحسين (ع).
كان الموكب اليوم بمستوى الجيّد جدًّا رغم كثرة المسافرين إلى كربلاء، ومن جهة أخرى أكثر الناس والشباب في هذا اليوم على دوامهم الوظيفي ومدارسهم وجامعاتهم.
مع ذلك كان الحضور فوق ما كنا نتصوّره. جزاكم الله خيرًا بيد سيّد الشهداء.
سؤال (2):
أنا ذهبت إلى العراق ورجعت البارحة لأن الزحمة لم تكن طبيعية فهل يُحسَب لي ثواب زيارة الأربعين؟
* المهتدي: بناءً على الحديث القائل “الأعمال بالنيّات”.. نعم.. مثابون إن شاء الله تعالى. وبهذا أفتى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قبل أيام.
سؤال (3):
شيخنا أنا الذي أرسلتُ إليكم صباح اليوم صورةً لثلاث بنات في مشّاية كربلاء لابسات عباءات مكتوب خلفها اللّعن على فلان وفلانة. ما رأيكم؟
* المهتدي: رأينا هو رأي إمامنا المعصوم في زيارة عاشوراء.. بأنّ اللّعن لابدّ أن يكون بلا ذكر أسماء في العلن. يريدنا أهل البيت (ع) أن نتعلّم الحكمة في البراءة من أعدائهم وليست البراءة بسلوكيات مزاجية تقدّم للدواعش ذرائع لجرّ المعتدلين من أهل السنّة إلى خط المواجهة الطائفية والدموية.
مع الأسف يوجد في الشيعة أفراد لا يلتزمون بتعاليم أهل البيت في التقية وفي أسلوب الدعوة الحكيمة ويتصرّفون بطريقة المثل القائل (مَلَكِي أكثر مِن المَلِك) فيجعلون أنفسهم كالحمار الذي يركبه العدو وهم لا يشعرون!!
ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء محسوبين على مدرسة الشيرازي -كما يحلو لخصومها أن يلصقوا بها كل نطيحة ومتردّية-. إننا في هذه المدرسة المتكاملة الأبعاد لا نجد في مؤلفات ولا في محاضرات رجالها مثل المرجع الراحل وشقيقه المرجع الحاضر ولا عند الفقيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي أيّة كلمةٍ من اللّعن بذكر أسماء الطرف الآخر. ولكنّنا ابتُلينا بنفرٍ يجهلون خطاب هذه المرجعية وفكر هذه المدرسة ويلصقون أنفسهم بهما ويلعنون جهارًا.. فيسبّبون لهذه المرجعية ومدرستها أزمات مع الداخل الشيعي وخارجه.
هذه السفاهة لا يمارسونها فقط مع رموز الآخرين بل وحتى ضدّنا إن نصحناهم بالكفّ عنها. ويبلغ تَشَوُّش رؤيتهم حدًّا لا يميّزون بين قولنا لا تلعنوا بالإسم علنًا لكيلا تغذّوا ضد الشيعة ما تطلبه الدواعش لتبرير جرائمها وبين قولنا إلعنوا مَن لَعَنَهم الله ورسوله ولكن اجعلوه بينكم وبين ربّكم وفي خلواتكم كيلا تضرّوا به غيركم، فأنتم لستم بمعزل عن مستضعفي الشيعة في مناطق أخرى. وليس هذا من موارد حرّية الرأي -كما قد يظنّ البعض-. لأن الحرّية التي تضرّ بالغير وبالمذهب مرفوضة في الإسلام. ولأن الشيعي يجب عليه الإلتزام بطاعة المراجع العدول. ولا نجد أحدًا من المراجع استخدم الأسلوب الهمج كهؤلاء المتطرّفين.
سؤال (4):
ما رأيكم في ثقافة الأحلام التي يتكلّمون عنها بين مروِّجٍ لها ومعارض؟
* المهتدي: الرؤيا الصادقة -وليست الأحلام- قد بيّنها القرآن الكريم أنها كاشفة لأمور خفيّة أو مستقبليّة، كالرؤيا التي رآها النبيّ يوسف عن نفسه وأسرته أو ما رآها الحاكم الوثني في مصر وفسّرها له يوسف الصدِّيق. ولكنّها لا تصل إلى درجة الأخذ بها كمصدر للأحكام الفقهية. ويمكن اعتمادها في بناء الوعي الديني كعنصر مُكمِّل للأدلّة الشرعيّة في الطول وليس بديلًا عنها في العرض. وهذا ما سمّته الروايات بالمُبشِّرات. إذن لابدّ من السير مع القرآن والحديث والعقل والإجماع، وإنما القبول بالرؤيا يصحّ إذا كانت موافقة لهذه المرتكزات الأربعة.
سؤال (5):
شيخنا.. شاركتم في الموكب اليوم وما رأيناكم تطبّرون؟
* المهتدي: التطبير في رأي المرجع الشيرازي وقته الأفضل هو يوم عاشوراء. ذلك ليبقى حصريًّا في الحماسة الحسينية ولا يتوزّع في عدّة مناسبات. وتطبير الأربعين يأتي بعد تطبير عاشوراء وخاصّة لمن لم يتوفّق للتطبير الأوّل. وهذا ليس فتوى من السيّد المرجع بل نوعٌ من الإرشاد المرجعي.
سؤال (6):
سماحة الشيخ قبل أيام قرأت في موقع صحيفة الوسط البحرينية ورقة بحثيّة للكاتب قاسم حسين تكلم فيها حول الشعائر الحسينية ونسب التطبير إلى العادة المسيحية وأنها دخلت بين الشيعة من الأتراك والقوقاز في زمن الصفويين. هل صحيح هذا؟
* المهتدي: مع إحترامنا لشخص الأستاذ ولكننا نرشده وأمثاله إلى مجموعة نقاط:
1/ أن يقرأ كتابنا (لماذا التطبير) وفيه كل الأجوبة بالأسلوب الحداثوي الذي ينتمي إليه وأمثاله.
بالمناسبة.. قبل ثمان سنوات ذكر لي أحد موظفي طيران الخليج أن مديره يعلم بأني أطبّر في عاشوراء. فكلّما يراني يتعمّد إهانتي في حضور بقية الموظفين. ذات مرّة قلتُ له.. أنت مثقف ودارس، هل ممكن تستجيب لي طلبًا بقراءة كتاب أجلبه لك. ثم بعد قراءتك له أتقبّل منك كل إهانة؟
قال: لا مانع. فأعطيتُه كتابك. وجائني اليوم الثاني وعينيه حمراوتين. قال البارحة لم أستطع أنام بسبب هذا الكتاب، فقد قرأتُ ثلثيه وغيّر قناعاتي كلّها.
2/ إنني أستغرب من هؤلاء المثقفين الذين أنعم الله عليهم نعمة الكتابة والتحدُّث.. وهل انتهت مواضيع هذه الأمة المتهالكة حتى يشغلوا أنفسهم وغيرهم بموضوع التطبير الذي في أقلّ التقادير هو من الشبهات لكثرة المراجع الذين يفتون بجوازه. والمؤمن يتجنّب الشبهات. إلا إذا كان هؤلاء يرون أنفسهم غير مؤمنين!!
3/ قلنا في حوار سابق.. ولو افترضنا أن التطبير تعلّمناه من المسيحيين.. فماذا عنكم وقد تعلّمتم فعالية التبرّع بالدّم من المسيحيين!!
أم كان أئمة أهل البيت وشيعتهم يذهبون إلى مستوصفات التبرع بالدّم؟!
4/ هناك هجمة في الصحافة من أولاد الكذا تستهدف شرف نسائنا وعوائلنا لا لذنب سوى أننا شيعة أهل البيت ولأننا انتصرنا في أربعينية الإمام الحسين على كافّة الجبهات، وأهمّها جبهة الأخلاق الكريمة والحسّ الإنساني الرفيع. فكما رأيتم بالأمس ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط من كذبةٍ قد نفتها فورًا منظمة الصحة العالمية.. فلماذا الإعلاميّون عندنا والصحفيّون لا يتفرّغون لمثل هذه الهجمات ويتركون الشعائر الحسينية لذوي الإختصاص وهم المراجع الكرام والعلماء الأجلاء؟!
5/ العقلاء إذا رأوا كلامهم لا يؤثر يتوقّفون عن تكراره. ولا أدري لماذا أصحاب الكرواتّا (ربطة العنق) والسكسوكه وبدلات الكشخة يكرّرون عند كل مناسبة كلامهم الذي يزيد في عدد المطبّرين ولا ينقصهم. أليس هناك من يهتف فيهم: بسكم.. يكفي؟!
6/ إنّ التخلّف ليس في بعض الشعائر الحسينية التي لم يدرك كنهها هؤلاء الإخوة، بل هو في فرض الرأي الواحد وإلغاء الآخر. وهذه القضية تحتاج ندوات ومؤتمرات لدراسة مفهوم الحرّية والأخلاق.
7/ من مخاطر الشعور بالنخبويّة أن يتعالى المثقف على مشاعر الجمهور. وإذا تعالى فسيستهزأ بكلّ ما لا يستسيغه مزاجه. بينما يجب القبول بالجمهور بكلّ أطيافه وتنوّعاته، ثم نصيحته عند أخطائه الواضحة بالمنظار الشرعي وتشخيص المراجع.
8/ ملاحظتي على جميع المثقفين والعلماء هي جمودهم على الخطاب الإستهلاكي وتمَوضُعهم في دائرة الأطروحات الإجتراريّة. بينما هذه الأمّة تحتاج إلى مفكّرين يحلِّقون فوق ذلك الإصر وتلك الأغلال. لذا أدعو أصحاب الأقلام في الصحافة والمنتديات إلى التفكير لبلورة أساسيّات الطريق إلى مستقبل أفضل. أمّا الكتابة بخلفيّة الإنتماء الحزبي والإجتهاد الإستحساني والتشنّج النفسي ضدّ الآخر فلا يرقى بها الكاتب مستوى ذلك الهدف التغييريّ الكبير.
سؤال (7):
شيخنا العزيز.. رأينا في موكب التطبير بعض شباب لا ترقى أشكالهم أشكال المتديّنين. بل شخصيًّا أعرف بعضهم مدمني مخدّرات. أليس هذا يشوّه صورة الشيعة ويجعل التطبير مأوىً لهذه النماذج الفاسدة؟ علمًا شيخنا أنّ أكثرهم من الشباب الذين يجلسون في الطرقات ويتسامرون في الحديث مع أصدقائهم ولا يدخلون المأتم ليستفيدوا من الخطيب.
* المهتدي: ولماذا لا تنظرون إلى بقيّة المطبّرين ووجوههم تدلّكم على إيمانهم وأخلاقهم. هذا أوّلًا.. وأمّا ثانيًا.. الشباب غير الملتزمين كذلك موجودون في مواكب العزاء غير التطبير فلماذا لا يطردونهم؟! وأمّا ثالثًا.. إعلموا أنّ مائدة الإمام الحسين للجميع.. العاصي وغير العاصي.. فمَن نحن لنمنع هذا وذاك عن الجلوس حولها ولعلها تكون سببًا لهداية العاصي ولو بعد فترة؟! وأمّا رابعًا.. إنّ مساجد الله عمومًا والمسجد الحرام في مكّة المكرَّمة وحرم الإمام الحسين نفسه في كربلاء.. هل هي خاصة للمؤمنين أم عامّة لكل الناس. فإذا قلنا خاصة إذن كيف يهتدي غير المؤمنين وأين يذهبوا للتوبة وإصلاح أنفسهم. وكذلك الحال مواكب العزاء الحسيني بما فيها موكب التطبير. فالله يفتح باب رحمته للجميع ومقتدانا الحسين باب الرحمة الإلهيّة الواسعة مشروعٌ على نهج ربّه جلّ جلاله. وأمّا خامسًا.. نحن ننتهز هذه الفرص لندعو هؤلاء الشباب إلى تغيير سلوكهم والدخول في رحاب التديّن وترك المعاصي. والباقي على الله تعالى. فإن كتب لهم الهداية سيهتدون وإلا فلسنا مسؤولين عنهم بعد إبلاغ النصيحة. لقد سمعتم كلمتنا بعد الموكب الآن تضمّنت الدعوة إلى العبور من الشعائر إلى البصائر. فالتخلّق بأخلاق الحسين والعمل بما دعا إليه والتأسّي به في العبادة والإخلاص لله جزء من أهدافه التي ننتقل إليها بالشعائر الواعية.
فنحن واضحون في رسالتنا ومتوازنون في خطابنا وشفّافون جدًّا مع الجميع. وبهذا النهج نحثّ الآخرين على الحكمة في التعامل مع كل التحدّيات.
سؤال (8):
نعم شيخنا.. هذا هو المعروف عنكم. والذي تجسّد في كتاباتكم التي تنيرون بها المجتمع ويا ليتها تنتشر إلى أوسع نطاق.
* المهتدي: أشكركم لو تتحمّلوا جزءً من مسؤولية النشر.. فكما في الحديث “زكاة العلم نشره”. فما دمتم تعلّمتم هذه الأجوبة اليوم مثلًا على أسئلتكم فانشروها ليتعلّمها آخرون يحملون نفس الأسئلة. كما وإني أشكر حضوركم في الموكب وحواركم هذا مثلما شكرتُ في كلمتي قبل قليل جميع المطبّرين ومَن ساهموا في الموكب ولم يطبّروا أيضًا. وشكرتُ إدارة حسينيّتنا على تنظيم هذه الفعالية، وشكرتُ الجيران إذ يتحمّلونا من أجل الحسين سبط النبي الأكرم. كما وشكرتُ وزارة الصحّة على إرسالها سيارتَي إسعاف، وشكرتُ وزارة البلدية على إرسالها عمال التنظيف لمخلَّفات الموكب والتجمهر والإطعام. كما وشكرتُ إدارة المرور على تنظيمها للشوارع التي مرّ فيها الموكب. هذه أخلاقنا التي تعلّمناها في مدرسة الإمام الحسين.
نحن أيّها الإخوة دعاة المحبّة والأخوة والسلم الأهلي وحرّية العمل الديني لا نريد من دنيانا إلا ما نزرعه من خيرٍ لآخرتنا. وصدق الله عزّ وجل حيث قال:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).