راية تأبى السّقوط
خلاصةً لكلمة سماحته السّنويّة في فعالية رفع العَلَم بحسينية أهل البيت (ع). ليلة الحادي من شهر محرّم الحسين سنة 1438 *
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يقولون عاد الحسين في شهره الدّامي…
أقول متى ذهب الحسين ليعود الآن؟!
الحسين (عليه السلام) الذي أعطى قلبه لله فأعطاه الله قلوب ملايين الملايين من محبّي الحق والعدل والحرية والأخلاق منذ 1373 سنةٍ في طول التاريخ تأبى قضيته العادلة أن تنتهي ورايته الخفّاقة بالحقّ أبيّة على السّقوط.
أنتم هنا حلقة واحدة بين ملايين الحلقات المجتمعة الآن في مشارق الأرض ومغاربها .. هنيئًا لكم بهذه السعادة. سعادة رفع راية الحسين والعباس، فكيف ينتهي والله ناصركم؟!
الحسين.. الإسم الذي يذكّر الأحرار وكل الطيّبين في الأرض معاني الهداية والمحبّة والإنسانية والتعاون والخير والرحمة والتقوى والشرف والمطالبة بالعدل والوفاء لله.. هذا الحسين يحتاجه الناس في كل زمان. تعشقه قلوبٌ آمنت بأنّ الحسين مصباح الهدى (في الدنيا) وسفينة النجاة (في الآخرة).
هنيئًا لكم وهذه قلوبكم المؤمنة التي قال عنها رسول الله (ص): {إنّ لدم الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدًا}.
لهذا فنحن هنا وهذه فلسفة وجودنا مع الحسين حتى آخر رمق من حياتنا.
فإحياؤكم أيها المؤمنون والمؤمنون لذكرى الحسين إحياءٌ لمبادئه التي استُشهد من أجله، ولتكن هذه رسالتكم إلى العالم.. رسالة الحسين بالتماسك في نصرته، وبالتمسّك في ولائه، وبالتعاون في شعائره، وبالتسامح في تعاملكم مع بعضكم، وبالأخلاق في علاقاتكم مع مخالفيكم. هذا ما علّمنا الحسين في الوقوف الواعي من أجل دين الله…
فليس عزاؤنا، وبكاؤنا، وسوادنا، وإطعامنا، وخدماتنا، وحضورنا مجالس خطبائنا، ومشاركتنا في مواكب العزاء، وتطبيرنا في صباح عاشوراء سوى تزوّدًا من هذه المنظومة الشعائرية التي تلهمنا التأسّي بالإمام الحسين في صفاته وأهدافه.
لقد رفعتم الليلة الراية السوداء لشهرين متتاليين بدلًا عن الراية الحمراء التي كانت مرفوعةً طيلة عشرة أشهر على هذه الحسينية المباركة.. جزاكم الله خير الجزاء. وبهذا بعثتم مجموعة رسائل لمن يعرف القراءة ويعقل فحواها:
أوّلًا: أنّ راية الحسين بيد أخيه العباس لم تسقط.. ولن تسقط مادام شيعتهم رجالٌ ونعم الرجال.
ثانيًا: أنّنا بدأنا العزاء في شهر الحزن على أهل البيت (ع) مواساةً لجدّهم رسول الله (ص) فليتأدّب الشيعي بكل آداب التضامن هذا.. وما طلبوه منّا.
ثالثًا: أنّ الحسين يبقى في قلوبنا خالدًا خلود الإرادة الإلهيّة، وهذه قبضاتنا على رايته ماسكةً حتى الموت، والجيل التالي جاهز على ذات المسير فلا للقلق.
رابعًا: أنّ الوقوف تحت هذه الراية يعني لنا الإيمان بأهدافها وأخلاقياتها. وعلى كل مسلم شيعي أن يعي هذا الواجب الحسيني وعيًا سليمًا.
خامسًا: أنّ شهر الشعائر الحسينية المقدّسة قد بدأ، فلابد لنا جميعًا أن نتزوّد بأجر الخدمة التي لا ندري متى تغلق علينا أبواب التوفيق بالموت. فلنتزوّد فيها بتواضع وإخلاص وتعاون نسمو به عن كل خلاف يسرّ الشيطان.. فلنكن متقين منضبطين كما لو كنّا في محضر الحسين بكربلاء.
أيّها الموالون الكرام
أيتها المواليات الكريمات
قرونٌ مضت والحسينيّون كانوا يلبّون نداء الرّسول الأعظم (ص) في إحياء ذكرى سبطه الحسين الشهيد.. وهم الآن في الجنة مع الرسول والحسين يُرزَقون.. ونحن اليوم على خط الإمتداد نهتف: لبّيك يا حسين.. لبّيك يا حسين.. لبّيك يا حسين…
فلنجعل تلبيتنا لدين الحسين وأخلاقه وتقواه وشجاعته…
هذه هي الراية الحقيقية التي نرفعها، فلنرفعها بوحدتنا وانشدادنا لقدسيّة الشعائر وضرورات الإحياء الصحيح لها.
إنني أشكركم جميعًا.. ولاسيّما إدارة حسينية أهل البيت واللّجان التابعة لها، واسمحوا لي من على هذه المنصّة أن أقبّل أياديكم فردًا فردًا على هذا الإنجاز الرائع الذي بدأتموه الليلة في رفع العلم والنعي والطبل والنظام المنسَّق، وستتواصلون بإخلاصكم لله في النجاح تلو النجاح إلى آخر شهر صفر وأنتم أهل لذلك.
شكرًا لكم.. ثم شكرًا لكم.. ثم شكرًا لكم…
أجركم مع الزهراء (عليها السلام)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.